responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني    جلد : 1  صفحه : 216


ساجد . فقال لي : تعرفه ؟ هو موسى بن جعفر ، أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات الاعلى هذه الحالة ، انه يصلى الفجر فيعقب إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة ، فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصد أوقات الصلاة ، فإذا أخبره وثب يصلى من غير تجديد وضوء ، وهو دأبه فإذا صلى العتمة أفطر ، ثم يجدد الوضوء ، ثم يسجد فلا يزال يصلى فيجوف الليل حتى يطلع الفجر ( 1 ) .
وجاء كذلك .
فأمر بتسليم موسى إلى الفضل بن يحيى ، فجعله في بعض دوره ووضع عليه الرصد ، فكان مشغولا بالعبادة يحيى الليل كله : صلاة وقراءة ويصوم النهار في أكثر الأيام ، ولا يصرف وجهه عن المحراب ، فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ( 2 ) .
ومن روائع تأثيره : ان هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر جارية خصيفة ، لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن ، فقال : قل له : ( بل أنتم بهديتكم تفرحون ) . لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها ، قال : فاستطار هارون غضبا ، وقال : ارجع إليه وقل له : ليس برضاك حبسناك ولا برضاك أخذناك ، واترك الجارية عنده وانصرف . قال : فمضى ورجع ، ثم قام هارون عن مجلسه وأنفذ الخادم إليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها ، تقول : قدوس ، سبحانك سبحانك ، فقال هارون : سحرها والله موسى بن جعفر بسحره ( 3 ) .
فلعل هارون أراد أن يغرى الامام ويشغله عن أهدافه بجمال الحسان ومتع الحياة ، منطلقا من فهمه وتقويمه هو لنفسه ، وما درى أن الامام مستغرق في جمال الحق وفان بحب الله ، قد أعرض عن الدنيا وزينتها ، فلا الجواري يشغلن باله ، ولا متع الحياة تستهوي نفسه ، بل هو داعية حق ، وصاحب رسالة قد نذر نفسه لمبادئه ، وأوقف ذاته على ذات الله سبحانه ، فغدا منارا يهدى بقوله وعمله ، وداعية يرشد بصمته ونطقه ، فصمته نطق بلسان العمل ، ونطقه هدى بكلمة الحق ، لذا استهوى هديه قلب الجارية ، واستولى سلطان روحه على روحها وعقلها حتى غدت تنادي سبوح ، قدوس ، مشدوهة سأجدد ، بعد أن كانت ترتع في مسارح اللهو ، وتكرع في كؤوس الهوى والغرام ، وتقضى وقتها وهي تداعب أوتار الطرب وأنغام الشعر ، وتستمتع بحلل الديباج وعقود اللؤلؤ ، فصار ديدنها الصلاة والتسبيح والتقديس حتى ماتت ، وقيل إن موتها كان قبل شهادة الإمام موسى ابن جعفر ( ع ) بأيام .
وهكذا اختط الامام الأجيال المسلمين السيرة الفذة ، والسير في طريق ذات الشوكة ،


1 - المجلسي / البحار / ج 48 / ص 107 ، نقلا عن المناقب . 2 - الطبرسي / إعلام الورى / ص 311 . 3 - المجلسي / البحار / ج 48 / ص 238 ، نقلا عن الأنوار للعامري ، وقعت هذه الحادثة في سجن السندي بن شاهك المعروف ب‌ ( دار المسيب ) ببغداد . /

216

نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني    جلد : 1  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست