responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني    جلد : 1  صفحه : 124


رجل من أهل الشام وأن يعطيه هذا المبلغ ليستعينوا به على عدوهم - ابن زياد - و أمره بأن يوهمهم بولائه لأهل البيت ( ع ) ، وتطيره من البيت الأموي ، وأن يتسلل إلى خلاياهم ليعرف أحوالهم ، سيما أحوال مسلم وأصحابه .
وفعلا فقد مضى هذا الجاسوس بتدبير متقن ، وتمكن من معرفة الكثير عن المجتمعين ، و أفلح في الإيقاع بالكثير منهم ، ومن ثم إجهاض حركة الناس ، وتمزيق وحدتهم ، ولا يخفي ، فقد كانت تلوح في الأفق أمور عدة للسيطرة على الأوضاع ، وإضعاف حماس الناس ، ولقد جاء القدر بما لم يكن في الحسبان ، ويقع ما لم يكن متوقعا من سوء الوضع و سرعة التحول ، بهذه الصورة المفاجئة ، وأمام هذه المفاجأة الغريبة والمفجعة ، يقف الإنسان متسائلا : كيف استطاع ابن زياد السيطرة على الموقف ، وإخماد ذلك الهياج الذي غمر الكوفة ضد سلطان الأمويين الغاشم ؟ وكيف أصبح البلد بعد ذلك الوضع الثوري يستسلم ويفقد كل إمكانياته ومستلزمات نهضته ؟ في الوقت الذي كان مسلم بن عقيل ( ع ) تسانده جبهة قوية تضم ألمع الشخصيات العربية - وهو سفير الحسين ( ع ) وممثله - فكيف انهارت الجبهة ؟ وأين الزعماء الذين ساندوه ، ليصبح وحيدا فريدا ، يبحث عن ملجأ يؤويه في ذلك البلد الذي بايعه فيه ثمانية عشر ألفا ؟
ويبدو الجواب واضحا ، وبتأمل وإلقاء نظرة فاحصة مجردة ، على كل عوامل الانحراف عن المسيرة الحقة .
فنلقي الأضواء على مجتمع الكوفة ، لنتعرف على العناصر المختلفة فيه ، والآراء المتفرقة بين أهلها ، والقوميات المتعددة ، والمتناحرة ، والعصبيات القبلية التي تحكمت في ذلك المجتمع ، فنقول : .
إن ابن زياد لم يدخل بلدا متماسك القوى ، متحد الاتجاه ، متفقا في الآراء ، فضلا عن وجود أهل الأديان المختلفة فيها ، والمذاهب المتفرقة ، وكانت الكوفة مرتعا خصبا لدسائس اليهود الذين سكنوها أيام الفتح ، والتحق بهم من أجلاهم عمر بن الخطاب من المدينة ، وفيها أيضا للخوارج مركز اجتماعي ولهم ثقلهم في ذلك البلد ، وقد انضم الخوارج إلى شيعة الحسين ( ع ) ، لاتحاد الهدف في بغض الأمويين ، واشتركوا في مراسلة الحسين ، وعند قدوم ابن زياد استسلموا بدافع الخوف من بطشه ، ولضعف عقيدتهم و خوائها فرجحت كفة ابن زياد باستعماله خطة إرهابية للقضاء على المعارضة وإجهاضها .
وإلى جانب ذلك فقد عمد ابن زياد إلى البطش والإرهاب ، وإنزال أقسى العقوبات ، و نشر الدعايات في البلد ، حتى بلغت حد الأساطير : لغرض السيطرة على الأوضاع وتفتيت معنوية الناس .
وكانت الكوفة مركزا لتجمع القوميات كما أسلفنا ، فقد كان فيها بقية الفرس الذين زال ملكهم عن العراق ، والنبط الذين كانوا تحت سيطرة الفرس ، فضلا عن اليهود والصابئة والنصارى ، والأمر الذي لاشك فيه ولا خلاف حوله ، هو أن الوضع في الكوفة كان يتسم بالقبلية والعشائرية ، تسوده العصبيات كما قال شوقي منيف في كتاب التصور والتجديد في الشعر الأموي : . . . وتمضي الحياة في الكوفة قبلية ، كما بدأ فيها الإحساس بالقبلية ، وفيها

124

نام کتاب : رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ نویسنده : السيد لطيف القزويني    جلد : 1  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست