نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 469
مقاما يترقى منها إلى غيرها ثم لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم إذ الأوضاع اللغوية إنما هي للمعاني المتعارفة فإذا عرض من المعاني ما هو غير متعارف اصطلحنا عن التعبير عنه بلفظ يتيسر فهمه منه فلهذا اختص هؤلاء بهذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم من أهل الشريعة الكلام فيه وصار علم الشريعة على صنفين صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا وهي الاحكام العامة في العبادات والعادات والمعاملات وصنف مخصوص بالقوم في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك فلما كتبت العلوم ودونت وألف الفقهاء في الفقه وأصوله والكلام والتفسير وغير ذلك كتب رجال من أهل هذه الطريقة في طريقهم فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الاخذ والترك كما فعله القشيري في كتاب الرسالة والسهروردي في كتاب عوارف المعارف وأمثالهم وجمع الغزالي رحمه الله بين الامرين في كتاب الاحياء فدون فيه أحكام الورع والاقتداء ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم التصوف في الملة علما مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال كما وقع في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك . ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله ليس لصاحب الحس إدراك شئ منها والروح من تلك العوالم وسبب هذا الكشف أن الروح إذا رجع عن الحس الظاهر إلى الباطن ضعفت أحوال الحس وقويت أحوال الروح وغلب سلطانه وتجدد نشؤه وأعان على ذلك الذكر فإنه كالغذاء لتنمية الروح ولا يزال في نمو وتزيد إلى أن يصير شهودا بعد أن كان علما ويكشف حجاب الحس ويتم وجود النفس الذي لها من ذاتها وهو عين الادراك فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية والعلوم اللدنية والفتح الإلهي وتقرب ذاته في تحقيق حقيقتها من الأفق الأعلى أفق الملائكة وهذا الكشف كثيرا ما يعرض لأهل المجاهدة فيدركون من حقائق
469
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 469