نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 468
فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد والانفراد عن الخلق والاقبال على العبادة اختصوا بمأخذ مدركة لهم وذلك أن الانسان بما هو انسان إنما يتميز عن سائر الحيوان بالادراك وإدراكه نوعان إدراك للعلوم والمعارف من اليقين والظن والشك والوهم وإدراك للأحوال القائمة من الفرح والحزن والقبض والبسط والرضى والغضب والصبر والشكر وأمثال ذلك فالروح العاقل والمتصرف في البدن تنشأ من إدراكات وإرادات وأحوال وهي التي يميز بها الانسان وبعضها ينشأ من بعض كما ينشأ العلم من الأدلة والفرح والحزن عن إدراك المؤلم أو المتلذذ به والنشاط عن الحمام والكسل عن الاعياء وكذلك المريد في مجاهدته وعبادته لا بد وأن ينشأ له عن كل مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة وتلك الحال إما أن تكون نوع عبادة فترسخ وتصير مقاما للمريد وإما أن لا تكون عبادة وإنما تكون صفة حاصلة للنفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو غير ذلك من المقامات ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة قال صلى الله عليه وسلم من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة فالمريد لا بد له من الترقي في هذه الأطوار وأصلها كلها الطاعة والاخلاص ويتقدمها الايمان ويصاحبها وتنشأ عنها الأحوال والصفات نتائج وثمرات ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان وإذا وقع تقصير في النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنما أتى من قبل التقصير في الذي قبله وكذلك في الخواطر النفسانية والواردات القلبية فلهذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في سائر أعماله وينظر في حقائقها لان حصول النتائج عن الاعمال ضروري وقصورها من الخلل فيها كذلك والمريد يجد ذلك بذوقه ويحاسب نفسه على أسبابه ولا يشاركهم في ذلك إلا القليل من الناس لان الغفلة عن هذا كأنها شاملة وغاية أهل العبادات إذا لم ينتهوا إلى هذا النوع أنهم يأتون بالطاعات مخلصة من نظر الفقه في الاجزاء والامتثال وهؤلاء يبحثون عن نتائجها بالأذواق والمواجد ليطلعوا على أنها خالصة من التقصير أو لا فظهر أن أصل طريقتهم كلها محاسبة النفس على الأفعال والتروك والكلام في هذه الأذواق والمواجد التي تحصل عن المجاهدات ثم تستقر للمريد
468
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 468