responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 593


فنزل على هرقلة هذه ، وكان معه أهل الثغور ، وفيهم شيخا الثغور الشامية : مخلد بن الحسين وأبو إسحاق الفزاري صاحب كتاب السير ، فخلا الرشيد بمخلد بن الحسين فقال : أيش تقول في نزولنا على هذا الحصن ؟ فقال : هذا أول حصن لقيته من حصون الروم ، وهو في نهاية المنعة والقوة ، فإن نزلت عليه وسهل فتحه لم يتعذر عليك فتح حصن بعده ، فأمره بالانصراف ودعا بأبي إسحاق الفزاري فقال له مثل ما قال لمخلد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا حصن بنته الروم في نحر الدروب ، وجعلته لها ثغراً من الثغور ، وليس بالآهل ، فإن فتحته لم يكن فيه ما يعم المسلمين من الغنائم ، وإن تعذر فتحه كان ذلك نقصاً في التدبير ، والرأي عندي أن يسير أمير المؤمنين إلى مدينة عظيمة من مدن الروم ، فإذا فتحت عمت غنائمها المسلمين ، وإن تعذر ذلك قام العذر ، فقال الرشيد : القول قول مخلد ، ونزل على هرقلة ونصب حواليها الحرب سبعة عشر يوماً فأصيب خلق من المسلمين ، وفنيت الأزودة والعلوفات ، وضاق صدر الرشيد من ذلك ، فأحضر أبا إسحاق الفزاري فقال : يا إبراهيم قد ترى ما نزل بالمسلمين ، فما الرأي الآن عندك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، قد أشفقت من هذا وقدمت القول فيه ، ورأيت أن يكون الحرب والجد من المسلمين على غير هذا الحصن ، والآن فلا سبيل إلى الرحيل عنه من بعد المباشرة ، فيكون ذلك نقصاً في الملك ووهناً على الدين ، وإطماعاً لغيره من الحصون في الامتناع على المسلمين والمصابرة لهم ، ولكن يا أمير المؤمنين تأمر بالنداء في الجيش : أن أمير المؤمنين مقيم على هذا الحصن حتى يفتحه الله على المسلمين ، وتأمر بقطع الحجارة وجمع الخشب وبناء مدينة بإزاء هذا الحصن إلى أن يفتحه الله تعالى ، ولا يكون هذا الخبر ينمي إلى من في الحصن إلا على المقام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الحرب خدعة " ، وهذه حرب حيلة لا حرب سيف .
فأمر الرشيد بالنداء من ساعته ، فحملت الحجارة وقطع الشجر ، وأخذ الناس في البناء ، فلما رأى أهل الحصن ذلك جعلوا يتسللون في الليل ويدلون أنفسهم في الحبال إلى أن أسلموها وتركوها وهي الآن خراب تعرف بهرقلة .
وقال سهل الترجمان : كنت مع الرشيد حين نزل على هرقلة ففتحها ، فرأيت فيها حجراً مكتوباً عليه باليونانية ، فجعلت أترجمه والرشيد ينظر إلي وأنا لا أعلم ، وكانت ترجمته : بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها ، وكل الأمور إلى وليها ، ولا يحملنك إفراط السرور على المآثم ، ولا تحمل نفسك هم يوم لم يأت فإنه إن يكن من أجلك يأت الله فيه برزقك ، ولا تكن من المغرورين من جمع المال ، فكم قد رأينا جامعاً لبعل حليلته ومقتراً على نفسه توفيراً لخزانة غيره ، وكان تاريخ الكتاب في ذلك اليوم زائداً على ألفي سنة .
وباب هرقلة مطل على واد وخندق يطيف بها . وذكر جماعة من أهل الثغور أن أهل هرقلة لما اشتد بهم الحصار وعضتهم الحرب بالحجارة والنار والسهام ، فتح الباب فاستشرف المسلمون لذلك ، فإذا رجل من أهلها كأجمل الرجال قد خرج في أكمل السلاح فنادى : يا معشر العرب قد طالت مواقفتكم إيانا ، فليخرج إلي منكم الرجل والعشرة إلى العشرين مبارزة ، فلم يخرج إليه من الناس أحد ينتظرون إذن الرشيد ، وكان الرشيد نائماً ، فعاد الرومي إلى حصنه ، فلما هب الرشيد أخبر بذلك ، فتأسف ولام خدمه على تركهم إيقاظه ، فقيل يا أمير المؤمنين : إن امتناع الناس منه اليوم سيطمعه ويطغيه ، وأحر به أن يخرج في غد فيعود لمثل قوله ، فطالت على الرشيد ليلته ، وأصبح كالمنتظر له ، إذ فتح الباب فإذا بالفارس قد خرج وعاد إلى كلامه ، فقال الرشيد : من له ؟ فابتدره جلة القواد فعزم على إخراج بعضهم ، فضج أهل الثغور والمطوعة بباب المضرب ، فأذن لبعضهم ، وفي مجلسه مخلد بن الحسين وإبراهيم الفزاري ، فدخلوا فقالوا : يا أمير المؤمنين ، قوادك مشهورون بالبأس والنجدة وعلو الصيت ومباشرة الحرب ، ومتى خرج واحد منهم فقتل هذا العلج لم يكبر ذلك ، وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر وثلمة لا تسد ، ونحن عامة لا يرتفع لأحد منا صوت ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يختار منا رجلاً يخرجه إليه فعل ، فاستصوب الرشيد رأيهم ، قال مخلد وإبراهيم : صدقوا يا أمير المؤمنين ، فأوموا إلى رجل منهم يعرف بابن الجزري مشهور في الثغور معروف بالنجدة ، فقال له الرشيد : تخرج ؟

593

نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 593
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست