إذ خرجوا عليه وقالوا له : حكمت الرجال في دين الله تعالى ، ما كان لك ذلك ، يعنون أنه رضي ببعث الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاصي رضي الله عنهما ، ففارقوه ، والخبر مشهور . نهر تيري : من كور الأهواز ، مدينة صالحة القدر عامرة بالديار والأسواق ، كثيرة الخيرات ، وبها طرز تتخذ منها ثياب حسنة ، قالوا : وبها دار لا تعمر ، وكل من يسكنها لا يلبث فيها أكثر من يوم واحد ولا يجاوز الليلة إلى الغد . نهر معقل : بالبصرة ينسب إلى معقل بن يسار ، وكان ابن زياد بن أبيه حفره وأمر معقلاً ففتحه تيمناً بصحبته ، فنسب إليه . نهروارة : مدينة في بلاد الهند ملكها عظيم يسمى بلهرا له جيوش وفيلة ، عبادته صنم البد ، وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة بالذهب ، ويركب الخيل في سائر الأيام ، ويركب في كل جمعة مرة ، ويركب حوله نحو مائة امرأة ، ولا يمشي معه أحد سواهن ، وقد لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب والفضة في أيديهن وأرجلهن ، وأسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتدافعن ويتلاعبن والملك يقدمهن ، فأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محارباً لمن قام عليه أو اهتضم شيئاً من عمالاته ، أو إلى من قصده من الملوك المجاورين له ، وله الفيلة الكثيرة ، وهي عمدة حربه . ويصل نهروارة كثير من تجار المسلمين ، وللمسافرين بها إكرام من ملوكهم وضبط لما بأيديهم ، وبسط العدل في أهل الهند طبيعة لا يعولون على شيء سواه ، ولفضل عدلهم وحسن سيرتهم ذكروا هم وأهل تلك البلاد بخير ، وكثر القاصد إليهم ، فبلادهم عامرة وأحوالهم ناجحة وادعة ، ومن انقياد عوامها للحق واتباعهم له وكراهيتهم للباطل أن الرجل منهم يكون له عند آخر حق فيلقاه حيث لقيه فيخط له خطاً في الأرض كالحلقة ، يدخله الطالب في تلك الحلقة فيدخلها المطلوب طائعاً ولا يبرح منها إلا بإنصاف خصمه ، أو يعفو عنه الذي له الحق ، فيخرج من الحلقة . وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلا واللوبيا والعدس والماش والسمك والحيوانات التي تموت موتاً طبيعياً ، ولا يذبحون طائراً ولا حيواناً ، فأما البقر فإنها محرمة عليهم ، فإذا ماتت دفنت دون سائر البهائم . وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لهم ، فإذا مات الملك قطعت له عجلة عريضة ارتفاعها على الأرض مقدار شبرين وتوضع على العجلة قبة مكللة ، ويوضع الملك عليها ويطاف به في المدينة كلها تجره عبيده ، ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض ، وينادي عليه مناد بلسان الهند : أيها الناس هذا ملككم فلان ابن فلان ، عاش في ملكه فارحاً قادراً كذا وكذا سنة ، وها هو ذا قد مات وفتح يده بما معه ، لا يملك من ملكه شيئاً ولا يدفع عن جسمه أذى ، ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون ، كل هذا باللغة الهندية ، فإذا فرغ من التطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عادتهم أن يحرقوا بها الموتى ، موتى ملوكهم ، فيلقونه في النار حتى يحترق . وأهل الهند لا يحزنون كثيراً ولا يقومون بالهموم جملة ، وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في بيوتهم بالليل تستراً ، ويسوون التراب عليهم ولا يبكون ميتاً ولا يحزنون عليه كثيراً . والزنا في جميع بلاد البلهرا مباح إلا في المزوجات ، والرجل إن ارتضى نكاح ابنته أو أخته أو خالته أو عمته ، ما لم يكن مزوجات فعل . النوشجان : من بلاد فارس وفيها شعب بوان ، فيه شجر الجوز والزيتون والكروم وغير ذلك من الفواكه ، وهو أحد المواضع المشهورة بالحسن ، وفيه يقول المتنبي : مغاني الشعب طيباً في المغاني * بمنزلة الربيع من الزمان ولكن الفتى العربي فيها * غريب الوجه واليد واللسان