آمن إن كنت صادقاً ، قال : فانهض معي ، فنهض معه فانتهى إلى قلعة ، فرفع صخرة ودخل غاراً فاستخرج سفطين ، فإذا قلائد منظومة بالدر والياقوت وقرطة وخواتيم وتيجان مكللة بالجوهر ، فأمنه ثم أتى به حذيفة رضي الله عنه فأخبره ، فقال : اكتمه فكتمه حتى قسم الغنائم بين الناس ، وعزل الخمس . ثم خرج السائب مسرعاً فقدم على عمر رضي الله عنه ، فقال له ما وراءك ؟ فوالله ما نمت هذه الليلة إلا تغريراً ، إذ ما أتت علي ليلة بعد الليلة التي أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ميتاً أعظم من هذه الليلة قال : أبشر بفتح الله ونصره وحسن قضائه لك في جنودك ، ثم اقتص الخبر حتى انتهى إلى قتل النعمان فقال : إنا لله ، يرحم الله النعمان ، ثم مه ؟ قال : ثم والله ما أصيب بعده رجل يعرف وجهه ، فقال : لا أم لك ولا أب ، قتل الضعفاء الذين لا يعرفهم عمر ابن أم عمر ، وأكب طويلاً يبكي ثم قال : أصيبوا لضيعة ؟ قال : لا ولكن أكرمهم الله بالشهادة وساقها إليهم ، قال : ويحك ، أغلبتم على أجساد إخوانكم أم دفنتموهم . قال : دفناهم ، قال : فأعطيت الناس حقوقهم ؟ قال : نعم ، فنهض عمر رضي الله عنه ، فأخذ السائب بثوبه وقال : حاجة ، قال : ما حاجتك إذا أعطيت الناس حقوقهم ؟ قال : حاجة لك وإليك ، فجلس ، وأخذ السائب الغرارة فأخرج السفطين ففتحهما فنظر إلى ما فيهما كأنه النيران يشب بعضه بعضاً ، فقال عمر رضي الله عنه : ما هذا ؟ فأخبره ، فدعا علياً وعبد الله بن أرقم وغيرهما فختموا على السفطين وقال له : اختم معهم ، فختمه ، وقال لعبد الله بن أرقم : ارفعه ، ورجع السائب . فرأى عمر رضي الله عنه ليالي كالحيات يردن نهشه ، فسرح رجلاً وكتب إلى السائب : إن صادفك رسولي في الطريق فلا تصلن إلى أهلك حتى تأتيني ، وإن وصلت إلى أهلك فعزمة مني إليك ، إذا قرأت كتابي هذا أن تشد على راحلتك وتقبل إلي . وكتب إلى عمار رضي الله عنهما : لا تضعن كتابي هذا حتى يرحل السائب إلي ، وأمر الرسول أن يعجله ، فقدم الرسول فقال له السائب : أبلغه عني شيء أم به علي سخطة ؟ قال : ما رأيت ذلك ، ولا أعلمه بلغه عنك خير ولا شر ، وركب فقدم على عمر رضي الله عنه فقال له : يا ابن أبي مليكة ، يا ابن الحميرية ، ما لي ولك ، أم ما لك ولي ، ثكلتك أمك ، ما الذي جئتني به ؟ فلقد بت مما جئتني به مروعاً أظن الحيات تنهشني ، أخبرني عن السفطين ، قال : والله لئن أعدت عليك الحديث ، فزدت حرفاً أو نقصت ، لأكذبن ، قال : إنك لما انصرفت فأخذت مضجعي لمنامي أتتني ملائكة فأوقدوا علي سفطيك جمراً ودفعوهما في نحري ، وأنا أنكص وأعاهدهم أن أردهما فأقسمهما على من أفاءهما الله عليه ، فكاد ابن الخطاب يحترق ، ثم لم أزل مروعاً أظن الحيات ينهشنني ، فاردد هذين السفطين فبعهما بعطاء الذرية والمقاتلة أو نصف ذلك ، واقسم منهما على من أفاءهما الله عز وجل عليه ، وقيل ، قال له : بعهما واجعل ثمنهما في أعطية المسلمين بالبصرة والكوفة ، فإن خرج كفافاً فذلك ، فإن فضل فاجعله في بيت مال المسلمين ، فقدم السائب بهما فاشتراهما عمرو بن حريث بعطاء الذرية والمقاتلة ، وقيل اشتراهما بأعطية أهل المصرين ، فباع أحدهما من أهل الحيرة بما أخذهما به واستفضل الآخر . وقال بعضهم : استفضل مائة ألف دينار ، فكان أول مال اعتقده . ولما انهزم أهل نهاوند جعلوا يسقطون في ذلك الخندق الذي هالوا فيه التراب المنخول فيغرقون في ذلك ، وكان يقال لفتح نهاوند فتح الفتوح ، قال موسى بن عقبة عن أخيه : قدمت البصرة فرأيت بها شيخاً أصم ، فقلت : ما أصابك . قال : أنا من أهل نهاوند ، لما نزل المسلمون عندما نزلوا عليها كبروا تكبيرة ذهب سمعي منها . وفي الروايات عن فتح نهاوند اختلاف كثير ، فلنقتصر منه على هذا . النهروان : بالعراق ، مدينة صغيرة من بغداد إليها مشرقاً أربعة فراسخ ، ويقال بضم الراء وفتحها وكسرها مع النون ، ويقال بضم النون والراء معاً أربع لغات ، ولها نهر جليل تجري فيه المراكب العظام ينبعث من جبال أرمينية ويستمد من القواطل ، فإذا صار بباب كسرى سمي النهروان ، وفي الجانب الغربي منها أسواق ومسجد جامع ونواعر تسقي أرضها ، وفي الجانب الشرقي مسجد جامع أيضاً وأسواق ، وحول المسجد خانات ينزلها الحاج والميارة . وعليها كانت الوقيعة بين علي رضي الله عنه وبين الخوارج