أن ذلك الماء كان يصعد إلى أعلى المنار وينزل إلى الناحية الأخرى فيجري هناك إلى رحى صغيرة كانت وبقي أثرها الآن ، على جبل مطل على البحر ، ولا يعلم ما المراد بذلك ، ومن المنكب إلى اغرناطة أربعون ميلاً . مندوجر : بالأندلس بينه وبين المرية مرحلة ، وهو حصن على تل تراب أحمر ، والمنزل في القرية ، ويباع بها للمسافرين الخبز والسمك وجميع الفواكه . منرقة : هي جزيرة تقابل برشلونة ، بينهما مجرى ، وبينها وبين سردانية أربعة مجار ، وهي إحدى بنتي جزيرة ميورقة ، وهما منرقة ويابسة ، وما زالت في يد المسلمين تحت هدنة الطاغية البرشلوني ومصالحته بعد أن جرى على ميورقة ما جرى ، وكان عامل ابن يحيى صاحب ميورقة الممتحن بعذاب البرشلوني بعد استيلائه على ميورقة حتى مات رحمه الله تعالى مقيماً بجزيرة منرقة هذه ، وهو سعيد بن حكم ، وقد ضبطها وأقام عليها أحسن قيام ، وهادن الأعداء ، وطالت مدته في ذلك ، وحسنت سيرته إلى أن مات ، فقصدها العدو ، واغتنم فرصتها واستولى عليها . المنصورة : في بلاد السند ، وهي على معظم نهر مهران ، يحيط بها ذراع منه من الجانب الغربي ، ومقدارها في الطول نحو ميل في عرض ميل ، وهي مدينة حارة بها نخل كثير وقصب سكر ، وليس لهم شيء من الفواكه إلا نوع من الثمر على قدر التفاح شديد الحموضة ، ولهم فاكهة أخرى تشبه الخوخ وتقاربه في الطعم . وهي محدثة بناها أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي في صدر ولايته فنسبت إليه . ورأيت من وجه آخر أن المنصورة منسوبة لمنصور بن جمهور عامل لبني أمية ، وكان أصحابها من ولد هبار بن الأسود ، وبها من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه خلق كثير ، ومملكتها تصاقب مملكة المولتان ، ومسافة ما بين المملكتين خمسة وسبعون فرسخاً سندية ، والفرسخ ثمانية أميال ، وجميع ما للمنصورة من الأصقاع والقرى وما يضاف إليها ثلاثمائة ألف قرية وزروع وأشجار وعمائر متصلة . وقد بنى أبو جعفر المنصور أربع مدن وقال إنها لا تخرب أبداً : إحداها بغداد بالعراق ، وهذه المنصورة في السند ، والمصيصة في آخر الشام ، والرافقة بأرض الجزيرة . وفي المنصورة هذه بشر كثير وتجار مياسير وماشية وزروع وحدائق وبساتين ، وبناؤها بالآجر ، ولأهلها نزاهات وأيام راحات ، والتجار بها كثيرون والأسواق بها قائمة والأرزاق دارة ، وزيهم زي العراق ، وملوكهم يتشبهون بملوك الهند في لباس القراطق وإسبال الشعور ، وبهذه المدينة حوت كثير ، واللحم رخيص والفواكه مجلوبة . قال بعضهم : رأيت لصاحب المنصورة فيلين عظيمين كانا موصوفين عند أهل الهند والسند ، لهما أخبار عجيبة ، وكان لهما في فل الجيوش تقدم ، ومات بعض سواس أحدهما فبقي لا يطعم ولا يشرب ، يبدي الحنين ويظهر الأنين وتسيل دموعه ، لا يتماسك وخرج ذات يوم من دار الفيلة يتقدم ثمانين فيلاً فاستقبل امرأة ، فلما رأته غشي عليها فسقطت وانكشف ثيابها ، فاعترض في الطريق مانعاً لمن وراءه من الفيلة أن تمر ، وأقبل يشير إليها بخرطومه بالقيام ويلاطفها ويجمع عليها أثوابها ، حتى قامت وخلى سبيل الفيلة . قالوا : والفيل إذا كان ممارساً شجاعاً وراكبه كذلك ، وكان في خرطومه العرطل ، وهو نوع من السيوف شنيع المنظر ، وكان خرطومه مغشي بالزرد ، وعليه تجافيف قد أحاطت به ، ومن وراءه خمسمائة راجل أنجاد ، كر على خمسة آلاف فارس وقام لهم ودخل وخرج وجال عليهم .