كثيرة عامرة بالناس ، وأهلها مياسير ذوو أموال كثيرة ، وشرب أهلها من الآبار ، وهي أكبر مدينة بكرمان ، وفي أهلها عفة وخير ظاهر وفي تجارهم حسن معاملة وانقياد للحق ، ولهم نزاهة عن كثير من أخلاق السوقة . وذكر أن السامري صاحب موسى عليه السلام من كرمان ، وفي نساء كرمان جمال لا يبلغه شيء . وكان فيها أيام استعمال الحجاج سعيد بن سلم قاضياً عليها علجة يقال لها أردك وكانت من أجمل النساء بغياً يبيت عندها الرجل بجملة من المال ، فبلغ سعيداً خبرها فأرسل إليها فجيء بها ، فلما رآها قال : يا عدوة الله ، فتنت فتيان البلد وأفسدتهم ، ثم قال : اكشفي عن رأسك ، فكشفت عن شعر جثل يضرب إلى عجيزتها ، ثم قال : ألقي درعك ، فألقته وقامت عريانة في أزار ، فرأى ما حيره وذهب بعقله ، ثم لم يملك نفسه حتى جعل يطعن بإصبعه في عكنها ، ثم قال : يا عدوة الله أدبري ، فأدبرت ، فنظر إلى ظهر فيه كماء الجدول ، على كفل كأريك خز حشوها قز ثم قال : أقبلي فأقبلت بصدر نقي وبطن ذي عكن وأحشاء لطيفة وكعثب كالقعب المكبوب يشرق بياضه وحسنه ، فافتتن بها لما رأى من جمالها وكمالها ، فوثب إليها فما بارحها حتى أولجه فيها ، فقال عرفجة بن شريك في ذلك : ما بال أردك إذ تمشي مؤزرة * في البيت يا ابن قتيل العين ذا العلق أجرية تبتغي منها فتعجلها * أو بعض ما يعتري الجاني من الشبق فلما بلغ الحجاج قول سعيد وقول الشاعر قال : بل بعض ما يعتري الجاني من الشبق وصرف سعيداً . قال أصحاب المغازي : قصد سهيل بن عدي إلى كرمان ولحقه عبد الله بن عبد الله بن عتبان ، وعلى مقدمة سهيل النسير بن عمرو العجلي ، وقد حشد له أهل كرمان واستعانوا بالقفص ، فاقتتلوا في أداني أرضهم ، ففضهم الله تعالى ، فأخذوا عليه بالطريق وقتل النسير مرزبانها ، ودخل سهيل من قبل طريق القرى إلى جيرفت وعبد الله بن عبد الله من مفازة أخرى فأصابوا ما شاءوا من بعير وشاة ، فقوموا الإبل والغنم فتحاصوها بالأثمان لعظم البخت على العراب وكرهوا أن يزيدوا ، وكتبوا إلى عمر رض الله عنه فأجابهم : إن البعير العربي إنما قوم ببعير اللحم وذلك مثله ، فإذا رأيتم أن للبخت فضلاً فزيدوا . وذكر المدائني أن الذي فتح كرمان عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ثم أتى الطبسين من كرمان ، ثم قدم على عمر رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين ، إني افتتحت الطبسين فأقطعنيهما فأراد أن يفعل فقيل لعمر رضي الله عنه إنهما رستاقان عظيمان فلم يقطعه إياهما ، وهما بابا خراسان . وفي خبر البلاذري أن عثمان بن أبي العاصي لقي مرزبانها في جزيرة ابركاوان وهو في خف فقتله ، فوهن أمر كرمان ونخبت قلوبهم فلما صار ابن عامر بأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى فارس وجه مجاشع بن مسعود السلمي إلى كرمان في طلب يزدجرد ، فأتى بيمند فهلك جيشه بها ثم لما توجه ابن عامر يريد خراسان ولى مجاشعاً كرمان ففتح بيمند عنوة فاستبقى أهلها وأعطاهم أماناً ، وبها قصر يعرف بقصر مجاشع ، وأتى مجاشع الشيرجان ، وهي مدينة كرمان فأقام عليها أياماً يسيرة ، وأهلها متحصنون وقد خرجت لهم خيل ، فقاتلهم ففتحها عنوة وخلف بها رجلاً ثم إن كثيراً من أهلها جلوا عنها وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم ، فكفر أهلها وغدروا ، ففتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة ، وسار في كرمان فدوخها وهرب كثير من أهل كرمان فركبوا البحر ولحق بعضهم بمكران وبسجستان ، فأقطع العرب منازلهم وأرضهم فعمروها وولي قطن بن قبيصة بن مخارق فارس وكرمان ، وهو الذي انتهى إلى نهر فلم يقدر أصحابه على إجازته فقال : من جازه فله ألف درهم ، فجازوه فوفى لهم ، فكان ذلك أول يوم سميت فيه الجائزة .