مما يلي البر وفيه باب الذهب ، وهي التي تلي الشمال ، وطولها من الباب الشرقي إلى الباب الغربي ثمانية وعشرون ميلاً ، ولها حيطان من حجارة ، وبينهما فضاء تسعون ذراعاً ، وعرض السور الداخل اثنتا عشرة ذراعاً ، وسمكه اثنتان وسبعون ذراعاً ، وعرض السور الخارج ثمان أذرع ، وسمكه اثنتان وأربعون ذراعاً وفيما بين السورين نهر يسمى قسطنطيانوس ، وهو مغطى ببلاط نحاس ، طول كل بلاطة ست وأربعون ذراعاً وعدة ما فيه من البلاطات اثنتان وأربعون ألف بلاطة ، وعمق النهر اثنتان وأربعون ذراعاً ، وفيما بين باب الذهب ، وهو باب مضبب بالحديد ، أعمدة بالذهب ، وطوله إحدى وعشرون ذراعاً ، وبين باب الملك اثنا عشر ميلاً ولها من الأبواب نحو مائة باب أكبرها باب الذهب ، وليس يدرى مثلها في الكبر قطر إلا قطر رومة . وبها القصر الشائع ذكره شماخة بناء واتساع قطر وحسن ترتيب ، وفيه البذرون الذي يتوصل منه إلى القصر ، وهو من عجائب الدنيا فإنه ملعب وزقاق يمشى فيه بين سطرين من صور مفرغة من النحاس البديع الصناعات ، منها على صور الأدميين وضروب الخيل والسباع إلى ما سوى ذلك من الأشكال ، وبالقصر وبما دار به ضروب من العجائب المصنوعات ، ودون الخليج من جهة بلاد الأرمن أحد عشر عملاً . ودور قصر الملك فرسخ يحيط به سور منيف ، وله ثلاثة أبواب ، والذي يظهر يوم الشعانين من صلب الذهب أحد وعشرون ألف صليب ، ومن صلب الحديد والنحاس المنقوشة المموهة بالذهب عشرة آلاف ومائتان ، ومن المصاحف التي تقرأ في الكنيسة ، رقومها من ذهب مكتوبة بالذهب والفضة ، ستة آلاف وأربعمائة ، وفيها من الشمامسة ومن تجري عليه الأرزاق ثمانية وأربعون ألفاً لا ينقص عددهم ، كلما مات أحدهم أقاموا مكانه آخر ، ووضع قسطنطين في أعلى هذه الكنيسة آلة مطلسمة ، وهو زرزور من نحاس إذا كان وقت الزيتون حشر إليها كل زرزور هناك ، فيأتيها الزرزور بثلاث زيتونات اثنتان في مخلبيه وثالثة في منقاره فيضعها عنده ثم ينصرف غادياً ، ولا يزال ذلك دأبه طوال أمد الزيتون . فإذا أراد الملك الخروج إلى هذه الكنيسة العظمى فرش له في طريقه من باب القصر إلى الكنيسة حصر ، من فوق الحصر ضروب الرياحين الطيبة ، وتزين دور المدينة يمنة ويسرة بالديباج وضروب ثياب الحرير ، ثم يخرج بين يديه عشرة آلاف شيخ مشاة ، عليهم كلهم ديباج أبيض ، ثم يخرج بعدهم عشرة آلاف خادم ، عليهم ديباج لون السماء ، في أيديهم الطبرزينات الملبسة بالذهب ، ثم يخرج بعد ذلك خمسة آلاف من فتيان الصقالبة عليهم ملحم خُراساني أبيض ، بأيديهم كلهم صلبان الذهب ، ثم يخرج من بعدهم عشرة آلاف غلام أتراك وخزر ، عليهم أقبية مذهبة ، وبأيديهم رماح وأترسة ملبسة بالذهب ، ثم يخرج بعدهم مائة بطريق ، عليهم ثياب منسوجة بالذهب ، في يد كل واحد منهم قضيب من ذهب ثم يخرج مائة غلام عليهم ثياب مشهورة مرصعة باللؤلؤ ، يحملون تابوتاً من ذهب ، فيه كسوة الملك لصلاته ، ثم يخرج رجل بين يديه يسكت الناس ، ثم يخرج شيخ بيده طشت وإبريق من ذهب مرصعان بالدر والياقوت ، ثم يخرج الملك ماشياً وعليه ثياب من إبريسم منسوجة بالجوهر كلها ، وخفه مرصع بالدر والياقوت ، وفي يد الملك حقة من ذهب فيها تراب ، فكلما خطا خطوتين يقول له الوزير بلسانهم كلاماً معناه : اذكر الموت والبلى ، فإذا قال له ذلك وقف الملك وفتح الحق ونزل إلى التراب وقبَله وبكى ، يسير كذلك حتى ينتهي إلى باب الكنيسة فيقدم الرجل الطشت والإبريق ، فيغسل الملك يده ويقول للوزير : إني بريء من دماء الناس كلهم والله لا يسألني عن دمائهم وإني قد جعلتها في عنقك ، ويخلع ثيابه التي عليه على وزيره ويقول له : دن بالحق ، ويأمر فيدار به على أسواق القسطنطينية ، ويقال له : دن بالحق ، كما قال له الملك . ويلبس الملك الثياب التي يدخل بها الكنيسة ويأمر بإدخال أسارى المسلمين الكنيسة ، فينظرون إلى تلك الزينة فينادون : أطال الله بقاء الملك سنين كثيرة ، ويقولون ذلك ثلاث مرات . ويساق خلف الملك ثلاثة من الخيل تقاد ، وقال بعضهم : إنها لا تكون إلا شهباً ، ويقال إنها من نسل خيل كانت للإسكندر توارثها ملوك اليونانية وملوك الروم لما غلبوا على المملكة ، عليها سروج قرابيسها من الزمرد الأخضر والياقوت الأحمر ، وتلك السروج وألبابها وما اتصل بها مرصع من الحجارة وأجلتها من الديباج المرصع بالدر والياقوت ، فيدخلونها الكنيسة