وطرق السفن منها معلومة لا يدخلها إلا المهرة من رؤساء البحر العالمون بطرقاته ، والسير فيه أبداً بالنهار فقط ، ولا يسير به في الليل أحد لصعوبة طرقه من تعاريج مسالكه . وكانت القلزم مدينتين وأكثرهما الآن خراب لتسلط العدوّ عليهما وتضييقه الدائم على أهلهما حتى قلت العمارة وخاف القاصد إليهما وفني ما بأيدي أهلهما وضاقت معايشهم ، وبين القلزم ومصر تسعون ميلاً ، وبالقلزم تنشأ السفن المسافرة في هذا البحر ، وتعمل بحبال الليف والدسر وتجلفط بالشحم المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان . قلس : صنم كان لطيء ومن يليها بجبلي طيء : سلْمى وأجا فهدمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فوجد فيها سيفين : أحدهما الرسوب والآخر المخذم ، فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهما له ، فهما سيفا علي رضي الله عنه . القليس : بناء كان أبرهة الحبشي بناه بصنعاء إلى جنب غمدان ، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة : إني قد بنيت لك بصنعاء بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله ، ولن أنتهي حتى أصرف حاج العرب إليه ويتركوا الحج إلى بيتهم . وقيل كتب إليه : قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف حاج العرب إليها . قالوا : وكان بناؤه إياه بحجارة قصر بلقيس الذي بمأرب ، وبلقيس صاحبة الصرح الذي ذكره الله تعالى في القرآن في قصة سليمان عليه السلام ، وكان سليمان عليه السلام حين تزوجها ينزل عليها فيه إذا جاءها ، فوضع أبرهة الرجال نسقاً يناول بعضهم بعضاً الحجارة والآلة حتى نقل ما كان قي قصر بلقيس مما احتاج إليه من حجر أو رخام أو آلة للبناء وجدَّ في بنائه ، وإنه كان مربعاً مستوي التربيع ، وجعل طوله في السماء ستين ذراعاً ، وكبسه من داخله عشر أذرع في السماء فكان يصعد إليه بدرج الرخام ، وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب ، وجعل بناء ذلك كله بحجارة يسميها أهل اليمن الجروب ، منقوشة مطابقة لا تدخل بين أطباقها الإبرة ، مطيفة به ، وجعل طول ما بنى به من الجروب عشرين ذراعاً في السماء ، ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض : حجر أخضر وحجر أحمر وحجر أبيض وحجر أصفر وحجر أسود ، فيما بين كل ساقين خشب ساسم مدوّر الرأس ، غلظ الخشبة خصر الرجُل ، ناتئة على البناء وكان مفصلاً بهذا البناء على هذه الصفة ، ثم فصل بافريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان ، وكان الرخام ناتئَاً عن البناء ذراعاً ، ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نُقُم جبل صنعاء المشرف عليها ، ثم وضع فوقها حجارة صفر لها بريق ثم وضع فوقها حجارة بيض لها بريق ، فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع ، وذكروا أنهم لا يحفظون ذرع طول القليس ولا عرضه ، وكان له باب من نحاس عشر أذرع طولاً في أربع أذرع عرضاً ، وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً ، معلق العمل بالساج المنقوش ومسامير الفضة والذهب ، ثم تدخل من البيت إلى إيوان طوله أربعون ذراعاً ، عن يمينه وعن يساره عقود مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة ، ثم تدخل من الإيوان إلى قبة ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً جدرها بالفسيفساء ، وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة ، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشرة أذرع في عشرة أذرع تعشي عين من نظر إليها من بطن القبة ، تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة ، وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ ، وهو عندهم الأبنوس ، مفصل بالعاج الأبيض ، ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة ، وكان في القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها كعيب ، وخشبة من ساج نحوها في الطول يقال لها امرأة كعيب ، كانوا يتبركون بهما في الجاهلية ، وكان يقال لكعيب الأحوزي ، والأحوزي بلسانهم الحبر ، وكان أبرهة عند بناء القليس قد أخذ العمال بالعمل ، أخذاً شديداً ، وقد آلى أن