وهي من بناء الأكاسرة ، وهي مدينة صغيرة ذات نخيل ومياه عذبة ويتخذ بها القت علفاً للجمال الصادرة والواردة في طريق الحجاز ، ومنه يتزودون علوفاتهم ، وهي ثغر من ثغور العراق ، وبينها وبين بغداد أحد وستون فرسخاً . وقد تقدم قول الشاعر : لمّا وردنا القادسي يَة حيث مُجْتَمعُ الرفاقِ وكان فتح القادسيّة العظيم الكبير على يد جيوش المسلمين في أيام الفاروق ، وأمير هذه الجيوش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، سنة ست عشرة ، وقتل رستم أمير جيش الفُرْس ، وكان في مائة ألف من الفُرس ، وأسر منهم نيف وخمسون ألفاً ، واستشهد من المسلمين مائة رجل ، ويقال مائتان ، وجميع من شهد القادسيّة من المسلمين بضعة وثلاثون ألفاً ، وكانت أيامها العظام أربعة أيام ، واليوم الرابع هو المسمى بينها بالقادسية ، وفيه قتل الله رستم وأتم الفتح على المسلمين ، وفيها كانت ليلة الهرير والقتال بالليل بالمشاعل . قادس : من أرض خُراسان . وقادس أيضاً جزيرة بالأندلس عند طالقة من مدن إشبيلية ، وطول جزيرة قادس من القبلة إلى الجوف اثنا عشر ميلاً ، وعرضها في أوسع المواضع ميل ، وبها مزارع كثيرة الريع ، وأكثر مواشيها المعز ، وشَعْراؤها صنوبر ورتم ، فإذا رعت معزهم خروّب ذلك المكان عند عقدها أسكر لبنها ، وليس يكون ذلك في ألبان الضأن ، وقال صاحب الفلاحة النبطية : بجزيرة قادس نبات إذا رعته المعز أسكر لبنها إسكاراً عظيماً ، وأهلها يحققون هذه الخاصية . وفي طرف الجزيرة الثاني حصن خرب أولي بيّنُ الآثار ، وبه الكنيسة المعروفة بشنت بيطر ، وشجر المثنان كثير بهذه الجزيرة ، وبهذه الجزيرة شجيرة تشبه فسيل النخل لها صمغ إذا خلط بالزجاج صبغه وصار حجراً تتخذ منه الفصوص . وبها آثار للأول كثيرة ، ومن أعجب الآثار بها الصنم المنسوب إلى هذه الجزيرة بناه أركلش ، وهو هرقلش ، أصله من الروم الإغريقيين ، وكان من قواد الروم وكبرائهم على زمان موسى عليه السلام ، وقيل إنه أول معدود لملوك اليونانيين ، وملك أكثر الأرض ، فحارب أهل المشرق وافتتح مدنهم إلى أن وصل إلى الهند ، وانصرف صادراً مفتتحاً لبلاد أولاد يافث إلى أن انتهى إلى الأندلس ، فلما بلغ البحر المحيط الغربي سأل عما وراءه ، فقيل له إنه لا يجاوز إلا إلى برّ الأندلس ، فعمد إلى جزيرة قادس فبنى بها مجدلاً عالياً منيفاً ، وجعل صورة نفسه مفرغة من نحاس في أعلى المنارة ، وقد قابلت المغرب كرجل متوشح برداء من منكبه إلى أنصاف ساقيه ، وقد ضم عليه وشاحه ، في يده اليمنى مفتاح من حديد ، وهو مادُها نحو المغرب ، وفي اليسرى صفيحة من رصاص منقوشة ، فيها ذكر خبره ، ومعنى المفتاح الذي بيده أنه افتتح ما وراءه من البلدان والمدن والصنم في وسط الجزيرة وبينه وبين الحصن المذكور ستة أميال ، والصنم مربع ذرع أسفله من كل جانب أربعون ذراعاً ، وارتفع على قدر هذا الذرع ثم ضاق ، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثاني ثم ضاق ، وارتفع على قدر ذلك الذرع الثالث ، ثم خرط البنيان من ابتداء الطبقة الرابعة إلى أن صارت قدما الصورة على صخرة واحدة قدر تربيعها في رأي العين أربعة أذرع ، قد تقدمت رجله اليمنى وتأخرت اليسرى كالماشي ، وارتفاعِ الصنم من الأرض إلى رأس الصورة مائة وأربعة وعشرون ذراعاً لطول الصورة من ذلك ثمانية أذرع ، وقيل ستة ، وقيل إن هذا الذرع بالذراع الكبير الذي هو ثلاثة أشبار ونصف ، وقد خرج من بين رجليه عمود نحاس ، وذهب صاعداً حتى علا فوق رأسه نحو ذراعين في رأي العين . وكان يقول أهل العلم بالحدثان في سالف الأزمان : يوشك أن يقع من يد هذه الصورة أحد المفتاحين فيكون بذلك بدء تحرك الفتن بالأندلس ، ثم يقع الآخر بعد فيكون حينئذ خراب الأندلس ، فذكر جماعة أهل قادس أن أحد المفتاحين سقط سنة أربعمائة ، وهو في صورة المفتاح ، فحمل إلى صاحب مدينة سبتة ، فأمر به فوزن ، فكانت زنته ثمانية أرطال . وقيل إن هذا الصنم بني لتاريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت الطوفان ، وقيل لتاريخ ألفين وأربعمائة وإحدى وخمسين من وقت آدم عليه السلام ، والذي لا يشك فيه أنه بني على عهد موسى عليه السلام .