الليل ، وشغلت هي ولم ترتب بقصير ، فلما دخلت العير المدينة تقدم قصير فوقف على الباب وعليه بوّابون من النبط وفيهم رجل بيده سفَود فطعن جولقاً منها فأصاب رجُلاً ، وقال البوّاب : الشرّ الشرّ فانتضى قصير سيفه فضرب به البوّاب فقتله ، وجاء عمرو على فرسه فدخل الحصن ، وبركتِ الإبل ، وحلَتِ الرجال الجوالق ومثلوا في المدينة بالسلاح ، وكانت الزبا قد اتخذت سرباً أجرت به الماء من قصرها إلى قصر أختها ، فقصده عمرو وقد كان وصفه له قصير ، ووصف له الزبا ، وكانت الزبا وصف لها عمرو بصورته على كل حالاته ، تريد بذلك أن تعرفه لتأخذ حذرها منه ، فلما رأت الزبا عمراً عرفته ، فولت هاربة ، فلحقها عمرو ، فلما أيقنت بلحاقه إياها مصَّتْ خاتماً في يدها مسموماً وقالت : بيديَ لا بيدك يا عمرو ، فماتت مكانها ، وقيل إنه جللها بالسيف ، ثم استباح بلادها واستولى على ملكها ، وقيل : بل إنما أصل المثل : عسى الغوير أبؤساً أنه كان غار فيه ناس ، فانهار عليهم وأتاهم فيه عدو فقتلهم فصار مثلاً لكل شيء يخاف عليه أن يأتي منه شيء ثم صغر الغار والأبؤس جمع البأس . الغور : غور تهامة . وهو أيضاً قرية عظيمة بينها وبين بلخ ثلاثة فراسخ . ومن بيسان إلى طبرية يسمى الغور لأنها بقعة بين جبلين وسائر مياه الشام تنحدر وتجتمع فتكون بحراً زخاراً أوله من بحيرة طبرية ، وجميع الأنهار تنصب إليه مثل نهر اليرموك وأنهار بيسان وما ينصب من جبال بيت المقدس وجبل قبر إبراهيم عليه السلام ، وجميع ما ينصب أيضاً من نابلس يجتمع الكل حتى يقع في بحيرة زغر وتسمى بحيرة سادوم وعامورا ، وهما كانتا مدينتي قوم لوط عليه السلام فغرقهما الله تعالى ، ومكانهما بحيرة ميتة لأنها ما فيها شيء له روح ولا حوت ولا دابة ، وماؤها حارّ كريه الرائحة ، وفيه سفن صغار تحمل الغلات وصنوف الثمر إلى أريحا وسائر أعمال الغور ، وطول هذه البحيرة ستون ميلاً في عرض اثني عشر ميلاً ، وهذه البحيرة الميتة تُرى من أعلى بيت المقدس ، وإليها ينتهي ماء بحيرة طبرية ، وهو الأردن ، فإذا انتهى إلى البحيرة الميتة ، خرقها وانتهى إلى وسطها ، وهو نهر عظيم لا يدرى أين غوصه من غير أن يزيد في البحيرة الميتة . ومن البحيرة الميتة تخرج الأحجار التي تستعمل لوضع الحصى ، وهو نوعان ذكر وأنثى : فالذكر للرجال والأنثى للنساء ، وأكثر نبات بلاد الغور النيل وأهلها سمر إلى السواد . الغوطة : قيل هي قصبة دمشق ، وقيل هو موضع متصل بدمشق من جهة باب الفراديس ، جبال ومزارع . وطول الغوطة مرحلتان في عرض مرحلة ، وبها ضياع كالمدن وجامع قريب الشبه بجامع دمشق والغوطة أشجار وأنهار ومياه محدقة تشق البساتين ، وبها من أنواع الفواكه ما لا يحيط به تحصيل خصباً وطيباً . وفي الخبر أن معاوية رضي الله عنه لما رأى القتل في أهل الشام يوم صفين ، وكلب أهل العراق عليهم ، تجهم لنعمان بن جبلة التنوخي ، وكان صاحب راية قومه من تنوخ وبهراء ، وقال له : والله لقد هممت أن أولي قومك من هو خير منك مقاماً وأنصح جيباً ، فقال له النعمان : إنا لو كنا ندعو إلى حيسٍ مجموع لكان في الرجال بعض الأناة ، فكيف ونحن ندعوهم إلى سيوف قاطعة وردينية شارعة ، وقوم ذوي بصائر نافذة ، والله لقد نصحتك على نفسي ، وآثرت ملكك على ديني ، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه ، وحدتُ عن الحق وأنا أبصره ، وما وفقت لرشدي حين أقاتل عن ملكك ابنَ عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوّلَ مؤمن به ومهاجر معه ، لو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعية ، وأجزل في العطية ، ولكن قد بذلنا لك أمراً لا بد من إتمامه ، غياً كان أو رشداً ، وحاشا أن يكون رشداً . وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها إذ حرمنا ثمار الجنة وأنهارها ، وخرج إلى قومه وصمد للحرب . ويخرج ماء الغوطة من عين تنحط من أعلى الجبل كالنهر العظيم لها صوت هائل ودوي عظيم يسمع على بعد . غيطة : جزيرة للنصارى بإزاء نابل ، بينهما مجرى على المجاز إلى صقلية ، عرض المجاز ستة أميال .