ويجلبون ما هنالك من السمن والعسل واللبن ، وبالمدينة سمك يصاد بها كثير ، وهو كبير لذيذ شهي ، وتؤخذ بها المكوس من حاج الإسلام القاصد من بلاد المغرب ، ثمانية دنانير على كل رأس ، ولا يعبر أحدٌ من حاج المغرب إلى جدة حتى يظهر الرجل البراءة مما يلزمه ، فإذا جاز المركب وسهل الله عليه الدخول إلى جدة أرسى على بُعْدٍ ، ودخل الثقات من ناحية والي جدة فاقتضوا منهم المكوس اللازمة لهم ، فيدفع له ما لزمه من المكس ، ويأخذ هذا المكس الهاشمي صاحب مكة فيدفعه في أرزاق أجناده إذ لا تفي جبايته بلوازمه ، فان عثر على رجل لا مكس معه لزم الذي جوزه ، وربما سجن الرجل الحاج حتى يفوته الحج ، وربما قيض الله له من يدفع له ما لزمه من المكس ، ويأخذ هذا المكس الهاشمي صاحب مكة برسم ما ذكر . وأكثر بيوتها الأخصاص ، وهي من أحفل مراسي الدنيا ، تختلف إليها مراكب الهند واليمن ، تحط فيها وتقلع منها زائداً إلى مراكب الحجاج الصادرة والواردة ، وهي في صحراء لا نبات فيها ، ولا يؤكل فيها شيء إلا مجلوب ، ولكن أهلها بسبب الحجاج والتجار تحت مرفق كبير ، وفي بحر عيذاب مغايص على اللؤلؤ في جزائر على مقربة منها في شهر يونيه العجمي والذي يليه ، ويستخرج منه جوهر نفيس له قيمة سنية ، يذهب الغائصون عليه إلى تلك الجزائر في الزوارق ، ويقيمون أياماً ، فيعودون بما قسم لكل أحد منهم حسب حظه من الرزق ، ويستخرجونها في أصداف لها أرواح كأنها نوع من الحيتان أشبه شيء بالسلحفاة . ولأهل عيذاب في الحجاج ظلم الطواغيت فإنهم يشحنون مراكبهم حتى يجلس بعضهم على بعض وتعود بهم كأنها أقفاص الدجاج ، يحمل أهلها على ذلك الحرص والرغبة في الكراء حتى يستوفي صاحب المركب حقه في طريق واحد ، ولا يبالي بما يصنع البحر بهم ويقولون : علينا بالألواح وعلى الحجاج بالأرواح ، وهذا مثل متعارف عندهم . قالوا : والأولى لمن يمكنه ألا يراها ، وأن يكون طريقه على الشام إلى العراق .