مباركاً لك في ذلك إن شاء الله تعالى ، ثم توفي الرجل المريض وتوجه الموصى إليه بعهده إلى بغداد ، فيسر الله له في اكتراء الدار ، وانتهى إلى الموضع المذكور ، فاستخرج منه ذخائر لا قيمة لها عظيمة الشأن كبيرة القدر ، فدسها في أحمال متاع ابتاعها وخرج من بغداد إلى دمشق ، فابتاع الدار المذكورة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وبناها خانقة للصوفية واحتفل فيها ، وابتاع لها الأوقاف ضياعاً ورباعاً ، وجعلها برسم الصوفية ، وأوصى بأن يدفن فيها وأن يختم القرآن على قبره كل جمعة ، وعين لكل من حضر لذلك ما ذكرناه ، فوجد الغرباء والفقراء في ذلك مرفقاً كثيراً ، فتغص الخانقة بالفقراء في كل ليلة جمعة فإذا ختموا القرآن دعوا له وانصرفوا واندفع لكل واحد منهم رطل من الخبز على الصفة المذكورة . سمندر : مدينة بالهند ، واسعة المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأحوال كثيرة ، والإقلاع منها والحط بها كثير ، وهي من أعمال القنوج وهو ملك تلك البلاد ، وهي أيضاً على جون يصل إليها من مدينة قشمير ، وفيها حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة ، ويحمل إليها العود من مسيرة خمسة عشر يوماً في ماء عذب من بلاد كارموت ، وهناك منابت عود جيد طيب . ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة ، وهذه الجزيرة عامرة بالناس والتجار من كل الآفاق ، ومنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار . وكانت سمندر دار مملكة الخزر على ثمانية أميال من مدينة الباب ، والخزر بلاد كبيرة ، مسلمون ونصارى وفيهم عباد أوثان ولهم بلاد ومدن منها سمندر هذه ، وهي خارج الباب والأبواب . وبلنجر وغيرها ، وكانت تلك البلاد بناها أنوشروان كسرى ، وهي الآن عامرة ، ومن باب الأبواب إلى سمندر أربعة أيام ، وبين باب الأبواب ومملكة السرير ثمانية أيام ، ويسكن سمندر اليوم خلق من الخزر ، وكانت افتتحت في بدء الزمان على يد سليمان بن ربيعة الباهلي رضي الله عنه ، وقد كان يهود ملك الخزر في خلافة الرشيد فانصرف إليه خلق من اليهود ووردوا عليه من سائر أمصار المسلمين وبلاد الروم . وهم يحرقون موتاهم ودواب بيتهم والآلة والحلي ، وإذا مات الرجل منهم أحرقت معه امرأته وهي بالحياة ، وإن ماتت المرأة لم يحرق الرجل ، وإن مات منهم عزب زوج بعد وفاته ، يرتجين في تحريق أنفسهن دخول الجنة ، وهذا كما تفعله الهنود بأنفسها . وكانت سمندر قبل هذا عامرة وكان بها من الأشجار والكروم ما لا يحصى فأتت قبيلة الروس عليها فأهلكتها وغيرت حالها ، ومن آخر حدودها إلى أول عمالات صاحب السرير أحد وخمسون ميلاً . سمورة : هي دار مملكة الجلالقة ، على ضفة نهر كبير جداً خرار كثير الماء شديد الجرية عميق القعر ، وبين سمورة والبحر ستون ميلاً ، وسمورة مدينة جليلة قاعدة من قواعد الروم ، وعليها سبعة أسوار من عجيب البنيان قد أحكمته الملوك السابقة ، وبين الأسوار فصلان وخنادق ومياه واسعة . وقد كان عبد الرحمن بن محمد الخليفة الأموي بالأندلس غزا سنة سبع وعشرين وثلاثمائة في أزيد من مائة ألف من الناس ، فنزل على دار مملكة الجلالقة وهي سمورة هذه . وكان أشد ما على الأندلس من الأمم المحاربة لهم الجلالقة ، على أن الإفرنجة حرب لهم ، غير أن الجلالقة أشد بأساً ، وكان لعبد الرحمن بن محمد صاحب الأندلس وزير من ولد أبيه يقال له أحمد بن إسحاق ، قبض عليه عبد الرحمن لموجدة وجدها عليه ، فقتله عبد الرحمن ، وكان لذلك الوزير أخ يقال له أمية في مدينة شنترين من ثغور الأندلس ، فلما نمي إليه ما فعل