وأكرم خيولاً وأكثر سلاحاً من أهل البصرة لأنهم فجروا الأرض وأكلوا ما بين الأهواز إلى كرمان ، فاقتتلوا أشد القتال ، وصبر بعضهم لبعض عامة النهار ، ثم إن الخوارج شدت على الناس بأجمعها شدة منكرة فأجفل الناس وانصاعوا منهزمين لا تلوي أم على ولد حتى بلغت البصرة هزيمة الناس ، ونادى مناد أن قد قتل المهلب ، ونعي بالبصرة ، فنسي الناس رجالهم ، وقام أهل كل دار يبكون المهلب لا يسألون عن أحد غيره ، وضرب المهلب يومئذ على جبهته ولم يبق يومئذ أحد من ولده إلا جرح ، وأسرع المهلب حتى سبقهم إلى مكان يفاع في جانب عن سنن المنهزمين ثم إنه نادى الناس : إلي عباد الله ، فثاب إليه جماعة من قومه من أهل عمان ، فاجتمع إليه منهم نحو من ثلاثة آلاف رجل ، فلما نظر إلى من قد اجتمع رضي جماعتهم ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن الله تعالى ربما يكل الجمع الكثير إلى أنفسهم فيهزمون وينزل النصر على الجمع القليل فيظفرون ، ولعمري ما بكم من قلة ، إني بجماعتكم لراض ، وإنكم لأنتم أهل الصبر وفرسان المصر ، وما أحب أن أحداً ممن انهزم معكم ، لو كانوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ، عزمت على كل امرئ منكم لما أخذ عشرة أحجار معه أو ما استطاع ، ثم امشوا بنا نحو عسكرهم فإنهم الآن من ذلك آمنون ، وقد خرجت خيلهم في طلب إخوانكم ، فوالله إني لأرجو ألا ترجع إليهم وخيلهم ، حتى تستبيحوا عسكرهم وتقتلوا أميرهم ، ففعلوا ثم أقبل بهم زحفاً ، فلا والله ما شعرت الخوارج إلا والمهلب يضاربهم بالمسلمين في جانب عسكرهم ، ثم استقبلوا عبيد الله بن الماحوز وأصحابه وعليهم الدروع والسلاح كاملاً ، فأخذ الرجل من أصحاب المهلب يستقبل الرجل منهم فيستعرض وجهه بالحجارة فيرميه حتى يثخنه ثم يطعنه بعد ذلك برمحه أو يضربه بسيفه ، فلم يقاتلهم إلا ساعة حتى قتل عبيد الله بن الماحوز وأخوه عثمان بن الماحوز ، وضرب الله وجوه أصحابه فأخذ القوم عسكر القوم وما فيه ، وقتل الأزارقة قتلاً ذريعاً ، وأقبل من كان من الأزارقة في طلب المنهزمين من أهل البصرة راجعين وقد وضع لهم المهلب خيلاً ورجالاً في الطريق تختطفهم وتقتلهم ، فانكفأوا راجعين مفلولين محروبين مغلوبين ، فلما أصبح المهلب غدا على القتلى فأصابوا ابن الماحوز قتيلاً ، وفي ذلك يقول شاعرهم : بسلى وسلبرى مصارع فتية * كرام وعقرى من كميت ومن ورد وقال أيضاً عبيدة بن هلال منهم : لعمري لقد بعنا الحياة وعيشها * برضوان رب بالخلائق عالم غداة نكر الخيل تدمى نحورها * بدولاب يوم المأزق المتلاحم فإن تك قتلى يوم سلى تتابعت * فكم غادرت أسيافنا من قماقم صريع ومن جيش الجناة ، وأصبحت * بواكيهم يعولن بين المآتم وقال رجل من موالي المهلب : لقد صرعت يومئذ بحجر واحد ثلاثة : رميت رجلاً فأصبت به أصل أذنه فصرعته ، ثم أخذت الحجر فضربت به آخر على هامته فصرعته ، ثم ضربت به آخر ثالثاً . وقال رجل من أصحاب المهلب : ويوم سلى وسلبرى أحاط بهم * منا صواعق لا تبقي ولا تذر حتى تركنا عبيد الله منجدلاً * كما تجدل جذع مال منقعر وانصرفت الخوارج حين انصرفت وإن أصحاب النيران الخمس أو الست ليجتمعون على النار الواحدة من الفلول وقلة العدد ، حتى جاءتهم مادة من قبل البحرين ، فخرجوا نحو كرمان وأصبهان . وقال المهلب لفارسين من أصحابه : أمعنا في الأرض فمن لقيتما من الناس فاعلماه حياتي وامضيا إلى البصرة فأخبرا أهلها بالظفر ، والخبر أطول من هذا وفيما أوردناه كفاية . سلماس : بلد في داخل المشرق ، ذكرها السلفي في الأربعين البلدانية . سمنان : بين الري ونيسابور من عمل قومس التي بناها أنوشروان ، وهي مدينة حسنة متوسطة بها أسواق وصناعات ، ومن سمنان إلى الدامغان مرحلتان إلى جهة نيسابور .