إسم الكتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار ( عدد الصفحات : 629)
ذو القرنين في مطافه ، وهو كثير الأفاعي والحيات ، ولولا كثرة القنافذ لتلف من هنالك . قال أصحاب المغازي : قصد عاصم بن عمرو سجستان ولحقه عبد الله بن عمير فالتقوا هم وأهل سجستان في أدنى أرضهم ثم اتبعوهم حتى حصروهم بزرنج ، ومخر المسلمون سجستان ما شاء الله ، ثم إنهم طلبوا الصلح على زرنج وما احتازوه من الأرضين ، فأعطاهم ذلك المسلمون ، وكان فيما شرطوه من صلحهم أن قنافذها حمى ، فكان المسلمون إذا خرجوا تناذروها خشية أن يصيبوا منها فيخفروا ، وأقيم أهل سجستان على الخراج ، وكانت سجستان أعظم من خراسان ، وأبعد فروجاً ، يقاتلون القندهار والترك وأمماً كثيرة ، وكانت فيما بين السند إلى نهر بلخ بحياله ، فلم تزل أعظم البلدين وأصعب الفرجين وأكثرهما عدداً وجنداً حتى كان زمن معاوية ، فهرب الشاه من أخيه رتبيل إلى بلد فيها يدعى آمل ، ودانوا لسلم بن زياد وهو يومئذ عامل سجستان ، ففرح بذلك وعقد لهم وأنزلهم تلك البلاد ، وكتب إلى معاوية بذلك يرى أنه قد فتح عليه ، فقال معاوية : إن ابن أخي ليفرح بأمر إنه ليحزنني وينبغي له أن يحزنه ، قالوا : ولم يا أمير المؤمنين ؟ قال : لأن آمل بلدة بينها وبين زرنج صعوبة ومضايق ، وهؤلاء قوم غدر نكر ، فيضطرب عليهما الحبل غداً ، فأهون ما يجيء منهم أن يغلبوا على بلاد آمل بأسرها ، وتم لهم على عهد ابن زياد ، فلما وقعت الفتنة بعد معاوية كفر الشاه وغلب على آمل وخافه أخوه ، فاعتصم منه بمكانه الذي هو به اليوم ، ولم يرضه ذلك حين تشاغل الناس عنه حتى طمع في زرنج فغزاها ، فحصرهم حتى أتتهم الأمداد من البصرة . قالوا : وصار رتبيل والذين جاءوا معه فنزلوا تلك البلاد فلم تنتزع إلى اليوم ، وقد كانت البلاد مذللة إلى أن مات معاوية . ومن سجستان أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسماعيل بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني صاحب كتاب " السنن " ، توفي بالبصرة سنة خمس وسبعين ومائتين . وبسجستان قتلت الخوارج معن بن زائدة فتكاً به سنة اثنتين وخمسين ومائة ، وكان معن أحد الأجواد ، وقف عليه أعرابي فقال له : جعلت قصدك سببي إليك ، وكرمك وسيلتي عندك واستشفعت بك إليك ، قال : سل ما أحببت ، قال : ألفا درهم ، قال معن : الله أكبر ، ربحنا أربعة آلاف درهم ، فقال الأعرابي : أنت أكرم من أن تربح على مثلي ، قال : صدقت ، وأمر له بستة آلاف درهم . سجلماسة : في صحراء المغرب ، بينها وبين البحر خمس عشرة مرحلة ، وهي على نهر يقال له زيز ، وليس بها عين ولا بئر ، وزرعهم الدخن والذرة ولهم النخل الكثير . وسجلماسة من أعظم مدن المغرب ، وهي على طرف الصحراء لا يعرف في قبليها ولا في غربيها عمران ، وبينها وبين غانة في الصحراء مسيرة شهرين في رمال وجبال غير عامرة ، قليلة الماء ، يسكنها قوم من مسوفة رحالون لا يستقر بهم مكان ، ليس لهم مدن ولا عمارة يأوون إليها إلا وادي درعة ، وبينه وبين سجلماسة مسيرة خمسة أيام . وهي كثيرة العامر مقصد للوارد والصادر ، كثيرة الخضر والجنات ، رائعة البقاع والجهات ، وهي قصور وديار وعمارات متصلة على نهر كثير الماء يأتي من جهة المشرق من الصحراء يزيد في الصيف ، كزيادة النيل ، ويزرع بمائه كحال ماء النيل ، ولزراعته إصابة كثيرة ، وفي السنة الكثيرة الأمطار ينبت لهم ما حصدوه في العام السابق من غير بذر ، وربما حصدوه عند تناهيه وتركوا جذوره فينبت من غير حاجة إلى البذر وحكي أن البذر يكون عاماً والحصاد فيه سبع سنين ، وبها أنواع من الثمر لا يشبه بعضها بعضاً ، وفيها الرطب المسمى البرني ، وهي خضراء جداً وحلاوتها تفوق كل حلاوة ونواها في غاية الصغر ، وعندهم غلات القطن والكمون والكراويا والحناء ، ويتجهز منها إلى سائر بلاد المغرب وغيرها ، وهم يأكلون الكلاب والحرذون ، وقل ما يوجد في أهلها صحيح العينين . وسجلماسة محدثة ، بنيت سنة أربعين ومائة ، أسسها مدرار بن عبد الله ، وكان رجلاً من أهل الحديث يقال إنه لقي بإفريقية عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما ، وسمع منه ،