ولم يصبني بحمد الله إلا جراحات يسيرة آلمت ، لكنها فرحت بعد ذلك وغنمت وأظفرت . ولما فرغ يوسف من وقيعة يوم الجمعة تواردت عليه أنباء من قبل السفن فلم يجد معها بداً من سرعة الكرة فانصرف إلى إشبيلية فأراح بظاهرها ثلاثة أيام ونهض نحو بلاده . ومشى ابن عباد معه يوماً وليلة ، فعزم عليه يوسف في الرجوع ، وكانت جراحاته تثعب ، وتورم كلم رأسه ، فرجع وأمر ابنه بالمسير بين يديه إلى فرضة المجاز حتى يعبر البحر إلى بلاده . ولما دخل ابن عباد إشبيلية جلس للناس وهنئ بالفتح ، وقرأت القراء وقامت على رأسه الشعراء فأنشدوه ، قال عبد الجليل بن وهبون : حضرت ذلك اليوم وأعددت قصيدة أنشده إياها فقرأ القارئ : " إلا تنصروه فقد نصره الله " ، فقلت : بعداً لي ولشعري ، والله ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به ؛ واستشهد في هذا اليوم جماعة من أعيان الناس كابن رميلة المتقدم الذكر وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك المصمودي وغيرهما ، وطار ذكر ابن عباد بهذه الوقيعة وشهر مجده ، ومالت إليه القلوب ، وسالمته ملوك الطوائف ، وخاطبوه جميعاً بالتهنئة ، ولم يزل ملحوظاً معظماً إلى أن كان من أمره مع يوسف ما كان . قال مؤلف هذا الكتاب رحمة الله عليه : خالفت بشرح هذه الوقيعة شرط الاختصار لحلاوة الظفر في وقت نزول الهمم ووقوعها في الزمن الخامل ، والله سبحانه يفعل ما يشاء وهو المستعان . زم : بضم أوله وتشديد ثانيه موضع ببلاد بني ربيعة ، وقيل ببلاد بني قيس بن ثعلبة ، قال الأعشى : ونظرة عين على غرة * مكان الخليط بصحراء زم وزم أيضاً من حفائر عبد شمس بن عبد مناف بمكة ، وبعضهم يقول في التي بمكة رم بالراء المهملة ، والأول أثبت ، وهي التي عند دار خديجة بنت خويلد رضي الله عنها . وزم أيضاً في خراسان على نهر بلخ من آمل طالعاً مع النهر أربع مراحل ، وزم تقابل آمل في الكبر ، وبها ماء جار وبساتين وعمارات وزروع وتجارات . وقال يحيى بن يوسف الزمي : كنا عند مالك بن أنس وعنده رجل أحسبه من أهل الشام وهو يصف له الشام وخبره ، فقال له مالك : ألا أحدثك بحديث هو خير من شامكم ، حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين أمن من الفقر ومن وحشة القبر واستجلب بها الغنى واستفتح بها باب الرحمة " . زمزم : بئر مكة ، ويقال لها زمزم وزمزم وزمزم وهي الشياعة وركضة جبريل وحفيرة عبد المطلب وطيبة وبرة والمضنونة وماؤها لما شرب له . قال عبد المطلب : إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال : احفر طيبة ، قال ، قلت : وما طيبة ؟ قال : ثم ذهب عني ، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال : احفر المضنونة ، قلت : وما المضنونة ؟ ثم ذهب عني ، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال احفر زمزم فقلت : وما زمزم ؟ قال : لا تنزف أبداً ولا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم عند قرية النمل . قال ابن إسحاق : فلما بين له شأنها ودل على موضعها غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب ليس له يومئذ ولد غيره ، فحفر فلما بدا لعبد المطلب الطي كبر ، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته ، فقاموا إليه فقالوا : يا عبد المطلب إنها بئر أبينا إسماعيل ، وإن لنا فيها حقاً فأشركنا معك فيها ، فقال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم ، قالوا له : فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها قال فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم حتى أحاكمكم إليه قالوا : كاهنة بني سعد بن هذيم ، قال : نعم ، وكانت بأشراف الشام ، فركب عبد المطلب في نفر من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة من