responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 291


فقال له : قل له إني سأقرب منك إن شاء الله ، وأمر يوسف بعض قواده أن يمضي بكتيبة رسمها له حتى يدخل محلة النصارى فيضرمها ناراً ما دام ابن فرذلند مشتغلاً مع ابن عباد ، وانصرف ابن القصيرة إلى المعتمد فلم يصله إلا وقد غشيه جنود ابن فرذلند ، فصدمها ابن عباد صدمة قطعت آماله ولم ينكشف له ، فحميت الحرب بينهما ، ومال ابن فرذلند على المعتمد بجموعه وأحاطوا به من كل جهة فاستحر القتل فيهم ، وصبر ابن عباد صبراً لم يعهد مثله لأحد ، واستبطأ يوسف وهو يلاحظ طريقه ، وعضته الحرب واشتد البلاء وأبطأ عليه الصحراويون ، وساءت ظنون أصحابه ، وانكشف بعضهم وفيهم ابنه عبد الله ، وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فلقت هامته حتى وصلت إلى صدغه ، وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت يضرب يميناً وشمالاً ، وتذكر في تلك الحال ابناً له صغيراً كان مغرماً به ، كان تركه بإشبيلية عليلاً اسمه المعلى وكنيته أبو هاشم فقال :
أبا هاشم هشمتني الشفار * فلله صبري لذاك الأوار ذكرت شخيصك تحت العجاج * فلم يثنني ذكره للفرار ثم كان أول من وافى ابن عباد من قواد ابن تاشفين ، داود بن عائشة ، وكان بطلاً شهماً فنفس بمجيئه عن ابن عباد ، ثم أقبل يوسف بعد ذلك وطبوله تصدع الجو ، فلما أبصره ابن فرذلند وجه أشكولته إليه وقصده بمعظم جنوده ، وقد كان علم حساب ذلك من أول النهار فأعد له هذه الأشكولة وهي معظم جنوده ، فبادر إليه يوسف وصدمهم بجمعه فردهم إلى مركزهم وانتظم به شمل ابن عباد ووجد ريح الظفر وتباشر بالنصر ، ثم صدقوا جميعاً الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم وخاضت الخيل في الدماء وصبر الفريقان صبراً عظيماً ، ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف وحمل معه حملة نزل معها النصر ، وتراجع المنهزمون من أصحاب ابن عباد حين علموا بالتحام الفئتين فصدقوا الحملة فانكشف الطاغية ومر هارباً منهزماً ، وقد طعن في إحدى ركبتيه طعنة بقي أثرها بقية عمره ، فكان يخمع منها ، فلجأ إلى تل كان يلي محلته في نحو الخمسمائة فارس كلهم مكلوم ، وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم ، وعمل المسلمون بعد ذلك من رؤوسهم صوامع يؤذنون عليها ، وابن فرذلند ينظر إلى موضع الوقيعة ومكان الهزيمة فلا يرى إلا نكالاً محيطاً به وبأصحابه ، وأقبل ابن عباد على يوسف فصافحه وهنأه وشكره وأثنى عليه ، وشكر يوسف مقامه وحسن بلائه وجميل صبره ، وسأله عن حاله عندما أسلمته رجاله بانهزامهم عنه ، فقال : هم هؤلاء قد حضروا بين يديك فليخبروك . ولما انحاز الطاغية بشرذمته جعل ابن عباد يحرض على اتباع الطاغية وقطع دابره ، فأبى ابن تاشفين واعتذر بأن قال : إن اتبعناه اليوم لقي في طريقه أصحابنا المنهزمين راجعين إلينا منصرفين فيهلكهم ، بل نصبر بقية يومنا حتى يرجع إلينا أصحابنا ويجتمعون بنا ثم نرجع إليه فنحسم داءه ، وابن عباد يرغب في استعجال إهلاكه ويقول : إن فر أمامنا لقيه أصحابنا المنهزمون فلا يعجزون عنه ، ويوسف مصر على الامتناع من ذلك ، ولما جاء الليل تسلل ابن فرذلند وهو لا يلوي على شيء ، وأصحابه يتساقطون في الطريق واحداً بعد واحد من أثر جراحهم ، فلم يدخل طليطلة إلا في دون المائة .
وتكلم الناس في اختلاف ابن عباد وابن تاشفين ، فقالت شيع ابن عباد : لم يخف على يوسف أن ابن عباد أصاب وجه الرأي في معاجلته لكن خاف أن يهلك العدو الذي من أجله استدعاه فيقع استغناء عنه ، وقالت شيع يوسف : إنما أراد ابن عباد قطع حبال يوسف من العود إلى جزيرة الأندلس ، وقال آخرون : كلا الرجلين أسر حسواً في ارتغاء وإن كان ابن عباد كان أحرى بالصواب .
وكتب ابن عباد إلى ابنه بإشبيلية : كتابي هذا من المحلة يوم الجمعة الموفي عشرين من رجب وقد أعز الله الدين ، ونصر المسلمين وفتح لهم الفتح المبين ، وأذاق المشركين العذاب الأليم والخطب الجسيم ، فالحمد لله على ما يسره وسناه من هذه الهزيمة العظيمة والمسرة الكبيرة هزيمة أذفونش ، أصلاه الله تعالى الجحيم ولا أعدمه الوبال العظيم ، بعد إتيان النهب على محلاته واستئصال القتل في جميع أبطاله وأجناده وحماته وقواده ، حتى اتخذ المسلمون من هاماتهم صوامع يؤذنون عليها ، فلله الحمد على جميل صنعه ،

291

نام کتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار نویسنده : محمد بن عبد المنعم الحميري    جلد : 1  صفحه : 291
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست