إليه ، وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه ، ويحله بأهله وذويه ، ويضم إليه رياسته ويتم به تدبيره وسياسته ويجمع فيه فتيانه وغلمانه ويحشر إليه صنائعه ، فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهرة ، الموصوفة بالمشيدات الباهرة ، وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم ، وشرع في بنائها سنة ثمان وستين وثلاثمائة فحشر إليها الصناع والفعلة ، وأبرزها بالذهب واللازورد متوجة منعلة ، وجلب نحوها الآلات الجليلة ، وسربلها بما يرد العيون كليلة ، وتوسع في اختطاطها وتولع في انتشارها في البسيط وانبساطها ، وبالغ في رفع أسوارها وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها ، وأوثق أبوابها وأتقن مضايقها فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة ، وصار بناؤها من الأبنية الغريبة ، وبني معظمها في عامين ، وفي سنة سبعين وثلاثمائة انتقل المنصور إليها ونزلها بخاصته وعامته ، فتبوأها وشحنها بجميع أسلحته ، وأمواله وأمتعته ، ، واتخذ فيها الدواوين للعمال ، ترتفع فيها ضروب الأعمال ، والاصطبلات لأنواع الكراع ، وعمل داخلها الأهراء ، وأطلق بساحتها الأرحاء ، ثم أقطع وزراءه وكتابه ، وقواده وحجابه ، القطائع الواسعة فابتنوا بأكنافها كبار الدور ، وجليلات القصور ، واتخذوا خلالها المستغلات المفيدة ، والمنازه المثيرة ، فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة وقامت فيها الأسواق ، وكثرت فيها الأرزاق ، وتنافس الناس في النزول بأكنافها ، والحلول بأطرافها ، للدنو من صاحب الدولة ، حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة ، وكان الفراغ منها سنة سبعين وثلاثمائة . وفي هذه السنة نزل فيها بخاصته وعامته وخلع الخليفة إلا من الاسم الخلافي ، ورتب فيها جلوس وزرائه ، ورؤوس أمرائه ، وكتب إلى الأقطار بالأندلس والعدوة في أن تحمل إلى مدينته تلك الأموال والجبايات ، ويقصدها أصحاب الولايات ، فانحشد إليها الناس من جميع الأقطار وحجر على خليفته كل تدبير ، واتفق له ذلك بسرعة بطشه ، وأقام الخليفة منذ نقل عنه الملك إلى قصر الزاهرة ، مهجور الفناء ، محجور الغناء ، خفي الذكر ، مسدود الباب ، محجوب الشخص ، لا يخاف منه باس ولا يرجى منه إنعام ، وليس له إلا الرسم السلطاني في السكة والدعوة والاسم الخلافي ، وأزال أطماع الناس منه وصيرهم لا يعرفونه ، واشتد ملكه منذ نزل قصر الزاهرة ، وتوسع مع الأيام في تشييد أبنيتها وتجنيد أفنيتها حتى كملت أحسن كمال ، وجاءت في نهاية الحسن والجمال ، وما زالت هذه المدينة رائقة متناسقة السعود ، تراوحها الفتوح وتغاديها ، لا تزحف منها راية إلا إلى الفتح ، ولا يصدر عنها تدبير إلا بنجح ، إلى أن حان يومها العصيب ، وقيض لها من المكروه نصيب ، فتولت فقيدة ، وخلت من بهجتها كل عقيدة . زيان : حصن بالمغرب له نهر كثير الثمار والأشجار ، وبالقرب منه حصن العروس ، وهو على قنة جبل على ضفة البحر ، وبالقرب من هذا الحصن الوردانية وحصن هنين ، ومرساه مقصود وله بساتين كثيرة . زبالة : من قرى المدينة ، سميت بضبطها الماء وأخذها منه كثيراً ، وقيل سميت بزبالة بنت مسعود من العماليق نزلت موضعها فسميت بها . وكانت فيما سلف مدينة ، وما بها الآن إلا رسم محيل وموضع يأوي إليه المسافرون ، وليست بمدينة ولا حصن . زبيد : مدينة باليمن بقرب الجند ومعاثر ، تسير في صحراء ورمال حتى تنتهي إلى زبيد ، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر من زبيد ولا أغنى أهلاً ولا أكثر خيراً منها ، وهي واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه والموز وغيره ، ومن زبيد إلى عدن على الساحل عشر مراحل في برية ليس فيها عمارة ولا يركبها إلا السابلة والصيادون . والمسافرون إلى زبيد كثير ، وبها مجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض مصر الصاعدون في مراكب جدة ، وأهل الحبشة يجلبون رقيقهم إلى زبيد ، وتخرج منها ضروب الأفاويه