نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 690
ولم يبلغ مبلغ العلو على الآخر كان الحكم للمنحرف إلى العلو فإن كان ماء المرأة حاض الخنثى ولم يمن وإن كان ماء الرجل أمنى ولم يحض فسبحان القدير الخلاق العليم وهذا من أعجب البرازخ في الحيوان ذلك لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما ويكفي علم هذا القدر من هذا المنزل فإنه يتضمن مسائل كثيرة أكثرها في تولد العالم الطبيعي بين حركات الأفلاك وتوجهاتها وتوجهات كواكبها بأشعة النور وبين قبول العناصر والمولدات لآثار تلك الأنوار فيظهر من تلك الأحكام إيجاد الأعيان والمراتب والأحوال وهذا علم كبير طويل ويتعلق بهذا المنزل علم الابتلاء في غير موطن التكليف ويتضمن علم الديوان الإلهي ويتضمن علم وجوب الكلمة الإلهية التي لا تتبدل ويتضمن علم أنه ما في العالم باطل ولا عبث وإنه حق كله بما فيه من الحق والباطل ويتضمن لما ذا أخر الله غالبا العقوبات إلى الدار الآخرة في حق الأكثرين وعجلها في حق آخرين وهو المعبر عنه بإنفاذ الوعيد وهو خبر والخبر الذي لا يتضمن حكما لا يدخله النسخ فقد ينفذ ما أوعد به لمن خالفه لأنه لم يخص بإنفاذه دارا من دار بل قال في الدنيا ليذيقهم بعض الذي عملوا وهو من جملة إنفاذ الوعيد فالذاهبون إلى القول بإنفاذ الوعيد مصيبون ولكن إنفاذه حيث يعينه الحق تعالى فإذا أنفذه في الدنيا بمرض وألم نفسي أو حسي يدخله على هذا المستحق بالوعيد كان ذلك سترا له عن عقوبة الآخرة فهو المعبر عن ذلك هنا بالمغفرة أي لا يؤاخذ بها في الآخرة وهذه أحوال أكثر السعداء والسعداء الذين لا تهمهم النار ولا يحزنهم الفزع الأكبر الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ولهذا عظم ابتلاء النفوس والبلاء المحسوس في الأمثال من الناس كالأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس من رد الحق في وجوههم وما يسمعون من الكفرة مما يتأذون به في نفوسهم وقد أخبر الله بذلك وكذلك ما سلط عليهم من القتل والضرب كل ذلك من إنفاذ الوعيد لخطرات وحركات تقتضيها البشرية والطبع مما لا يليق بالمنصب الذي هم فيه لكن هو لائق بالبشر ومن هنا يعرف قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقد قرر الذنب وأوقع المغفرة وأفهم من ذلك عباده أنه لا يعاقبهم في الآخرة وما علق المغفرة بالدنيا لما فيها من الآلام والأمراض النفسية والحسية وهو عين إنفاذ الوعيد في حقهم ويصح قول المعتزلي في هذه المسألة مسألة إيلام البرئ فإن الأشعري يجوز ذلك على الله ولكن ما كل جائز واقع وكل ما يحتجون به على المعتزلة فليس هو بذلك الطائل والانفصال عنه سهل وليس هذا الكتاب موضع إيراد هذا العلم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب التاسع والتسعون ومائتان في معرفة منزل عذاب المؤمنين من المقام السرياني في الحضرة المرادية المحمدية ) إن البروج منازل لمنازل * قد هيئت للسبعة الأنوار فإذا مشت بالعدل في أفلاكها * تبدو لعينك أعين الأغيار فالحق يجري في المنازل حكمه * والكون في الأكوار والأدوار والخلق من تحت المنازل ظاهر * والأمر من فوق المنازل جاري فيقال في لغة الكيان بأنه * أمر تصرفه يد الأقدار والكف والقلم العلي مخطط * في اللوح ما يبدو من الأسرار اعلم وفقنا الله وإياك أن هذا المنزل من أعظم المنازل الذي تخافه الشياطين النارية لقوة سلطانه عليهم وهو منزل عال يتضمن علوما جمة اعلم أن الروح الإنساني لما خلقه الله خلقه كاملا بالغا عاقلا عارفا مؤمنا بتوحيد الله مقرا بربوبيته وهو الفطرة التي فطر الله الناس عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه فذكر الأغلب وهو وجود الأبوين فإنه قد يكون يتيما فالذي يربيه هو له بمنزلة أبويه فالروح ليس له كمية فيقبل الزيادة في جوهر ذاته بل هو جوهر فرد لا يجوز أن يكون مركبا إذ لو كان كذلك لجاز أن يقوم بجزء منه علم بأمر ما وبالجزء الآخر جهل بذلك الأمر عينه فيكون الإنسان عالما بما هو به جاهل وهذا محال فتركيبه في جوهره محال فإذا كان هكذا فلا يقبل الزيادة ولا النقصان كما يقبله الجسم لعدم التركيب ولولا ما هو عاقل بذاته وهو عقل لنفسه ما أقر بربوبية خالقه عند أخذ الميثاق منه بذلك إذ لا يخاطب الحق إلا من يعقل عنه خطابه هذا هو حقيقة
690
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 690