نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 689
اللفظة ونريد بها التأييد وهي منقطعة بالخبر الإلهي وتعريف النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما شاء ربك بما يرزقون في النار من اللذة والنعيم بها إن ربك فعال لما يريد وفي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض من حيث جوهرهما لا من حيث صورتهما ولهذا قال عطاء غير مجذوذ أي غير مقطوع ويقع الاستثناء في قوله إلا ما شاء ربك من زوال صورتهما إذ كانت السماء سماء والأرض أرضا فإنا نعلم أن جوهر السماء هو جوهر الدخان وتبدلت عليه الصور فالجوهر الذي قبل صورة الدخان هو الذي قبل صورة السماء كما قبل جوهر الطين والحجر صورة البيت فإذا تهدم البيت ويبس الطين ذهبت صورة البيت والطين وبقي عين الجوهر وكذلك العالم كله بالجوهر واحد وبالصور يختلف فاعلم ذلك فيكون الاستثناء في حق أهل النار لمدة عذابهم ويكون الاستثناء في حق أهل الجنة على معنى إلا أن يشاء ربك وقد شاء أن لا يخرجهم فهم لا يخرجون فإن الله ما شاء ذلك بقوله عطاء غير مجذوذ ولم يقل في أهل النار عذابا غير مجذوذ فافهم فإن الخبر الصحيح المتواتر قد ورد فقال تعالى يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ووصف السماء بأنها تصير كالدهان ووصفها بالانشقاق وإنها تمور وقال تعالى فكانت وردة كالدهان أي مثل الدهن الأحمر في اللون والسيلان فهذا كله إخبار عن ذهاب الصورة لا ذهاب الجوهر ومما يتضمن هذا المنزل علم ما أراد الله من الإنسان أن يشتغل به في حال اعتباره وتفكره لما يؤديه ذلك النظر إليه من المعرفة بخالقه لا بربه فإنه لكل اسم من أسماء الله في العالم دليل خاص لا يدل على غيره من حيث هو دليل عليه ومن هنا تعلم أن الأرض خلقت من تموج الماء حتى أزبد فكان ذلك الزبد عين الأرض لأنه انتقل من المائية إلى الزبدية وفي الزبد يكون الأرض وهذا هو السبب في اختراق الصالحين لها وجلوس الميت في قبره مع ردم الأرض عليه وحكم كل ما خلق منها حكمها وحكمها حكم الزبد وحكم الزبد حكم الماء والماء يقبل الخرق وتحرك الأشياء فيه فيجري حكم هذا الأصل في جميع ما وجد عنه سواء كثف كالأرض أو سخف كالهواء والنار لكن النار للماء بمنزلة ولد الولد والأرض للماء بمنزلة الولد والهواء والزبد للماء بمنزلة أولاد الصلب فالماء لهما أب وهو للنار جد من جهة الهواء وللأرض جد من جهة الزبد فبين خلق آدم والماء وجود التراب الزبد فهو ولد ولد الولد من حيث كثافته وكذلك بما فيه من النار وبما فيه من الهواء هو ولد الولد وأما خلق حواء فبينها وبين الأصل ثلاثة آدم والتراب والزبد فهي أبعد من الأصل وأما خلق بني آدم فهم أقرب إلى الأصل من آدم فإنهم مخلوقون من الماء فهم من الماء مثل الزبد فهم أولاد الماء لصلبه والزبد أخ لبني آدم وهو جد لآدم وأب للأرض فبنوا آدم أعمام للأرض فتكون منزلة آدم من بنيه منزلة ابن الأخ من عم أبيه ويكون بنو آدم من آدم بمنزلة عم أبيه فهم أولاده وهو ولد ابن أخيهم فهم في الإسناد من هذا الوجه أقرب إلى السبب الأول وهو الجد الأعلى إلا بما في آدم من الماء الذي صار به التراب طينا ففيه إلحاق بولد الصلب بمنزلة من نكح امرأة وهي حامل من غيره فسقى زرع غيره فله فيه بما حصل له من ذلك السقي نصيب وأما خلق عيسى عليه السلام فبينه وبين الماء أمه وحواء وآدم والأرض والزبد إلا من وجه آخر فهو يشبهنا وقليل من يعثر عليه وقد نبه الله على ما أومأنا إليه بقوله فتمثل لها بشرا سويا لما أراد الله فسرت اللذة بالنظر إليه بعد ما استعاذت منه وعرفها أنه رسول الحق ليهب لها غلاما زكيا فتأهبت لقبول الولد فسرت فيها لذة النكاح بمجرد النظر فنزل الماء منها إلى الرحم فتكون جسم عيسى من ذلك الماء المتولد عن النفخ الموجب للذة فيها فهو من ماء أمه وينكر ذلك الطبيعيون ويقولون إنه لا يتكون من ماء المرأة شئ وذلك ليس بصحيح وهو عندنا إن الإنسان يتكون من ماء الرجل ومن ماء المرأة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى أنه قال إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرا وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثا وفي رواية سبق بدل علا فقد جاء بالضمير المثنى في أذكر أو أنثا وقد قلنا في كتاب النكاح لنا في هذا الفصل إن المرأة والرجل إذا لم يسبق أحدهما صاحبه في إنزال الماء وأنزلا معا بحيث أن يختلطا ولا يعلو أحد الماءين على الآخر فإنه من أجل تلك الحالة إذا وقعت على تلك الصورة يخلق الله الخنثى فيجمع بين الذكورة والأنوثة فإن كانا على السواء من جميع الجهات والاعتدال من غير انحراف ماء من أحدهما كان الخنثى يحيض من فرجه ويمني من ذكره فيعطي الولد ويقبل الولد ممن ينكحه وقد روى أنه رؤي رجل ومعه ولدان أحدهما من صلبه والآخر من بطنه وإن انحرف الماء عن الاعتدال
689
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 689