نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 672
ما خلق الله من العالم فإنما خلقه الله على كماله في نفسه فذلك الكمال وجهه قال تعالى أعطى كل شئ خلقه فقد أكمله ثم هدى فأعطى الهدى أيضا الذي هو البيان هنا خلقه فأبان الأمر بعبيده على أكمل وجوهه عقلا وشرعا ما أبهم ولا رمز ولا لغز إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لتبين للناس ما نزل إليهم ولولا البيان ما فصل بين المتشابه والمحكم ليعلم أن المتشابه لا يعلمه إلا الله والمحكم يتعلق به علمنا فلو لم ينزل المتشابه لنعلم أنه متشابه لكوننا نرى فيه وجها ويشبه أن يكون وصفا للمخلوق ويشبه أن يكون وصفا للخالق فلا يعلم معنى ذلك المتشابه إلا الله فلو لم ينزل المتشابه لم يعلم أن ثم في علم الله ما يكون متشابها وهذا غاية البيان حيث أبان لنا أن ثم ما يعلم وثم ما لا يعلمه إلا الله وقد يمكن أن يعلمه الله من يشاء من خلقه بأي وجه شاء أن يعلمه ومما يتضمن هذا المنزل العلم بالأقسام الإلهية التي وردت في الشرائع المتقدمة والمتأخرة لما أقسم وإذا أقسم بمن أقسم هل بنفسه أو بمخلوقاته أو بهذا وقتا وبهذا وقتا آخر مثل قوله تالله لقد أرسلنا فأقسم بالله وكقوله فوربك فورب السماء والأرض وكقوله والذاريات والمرسلات والصافات والنجم والشمس وغير ذلك من المخلوقين الذين أقامهم في الظاهر مقام أسمائه فإن كان أضمر فما أضمر من الأسماء وعلى كل حال فلها شرف عظيم بإضافتها إليه سواء أظهر الاسم أو لم يظهر والقسم العام فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون فدخل في هذا القسم من الموجودات جميع الأشياء ودخل فيه العدم والمعدومات وهو قوله وما لا تبصرون وما تبصرونه في الحال والمستقبل والمستقبل معدوم فللأشياء نسبة إلى الشرف والتعظيم وكذلك العدم فأما شرف العدم المطلق فإنه يدل على الوجود المطلق فعظم من حيث الدلالة وهو مما يجري على ألسنة الناس وقد نظم ذلك فقيل وبضدها تتميز الأشياء فالعدم ميز الوجود والوجود ميز العدم وأما شرف العدم المقيد فإنه على صفة تقبل الوجود والوجود في نفسه شريف ولهذا هو من أوصاف الحق فقد شرف على العدم المطلق بوجه قبوله للوجود فله دلالتان على الحق دلالة في حال عدمه ودلالة في حال وجوده وشرف العدم المطلق على المقيد بوجه وهو أنه من تعظيمه لله وقوة دلالته إنه ما قبل الوجود وبقي على أصله في عينه غيرة على الجناب الإلهي أن يشركه في صفة الوجود فينطلق عليه من الاسم ما ينطلق على الله ولما كان نفس الأمر على هذا شرع الحق للموجودات التسبيح وهو التنزيه وهو أن يوصف بأنه لا يتعلق به صفات المحدثين والتنزيه وصف عدمي فشرف سبحانه لعدم المطلق بأن وصف به نفسه فقال سبحان ربك رب العزة عما يصفون تشريفا للعدم لهذا القصد المحقق منه في تعظيم الله فإنه أعرف بما يستحقه الله من المعدوم المقيد فإنه له صفة الأزل في عدمه كما للحق صفة الأزل في وجوده وهو وصف الحق بنفي الأولية وهي وصف العدم بنفي الوجود عنه لذاته فلم يعرف الله مما سوى الله أعظم معرفة من العدم المطلق ولما كان للعدم هذا الشرف وكان الدعوى والمشاركة للموجودات لهذا قيل لنا وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا أي ولم تك موجودا فكن معي في حال وجودك من عدم الاعتراض في الحكم والتسليم لمجاري الأقدار كما كنت في حال عدمك فجعل شرف الإنسان رجوعه في وجوده إلى حال عدمه فلو لا شرف العدم بما ذكرناه ما نبه الحق الموجود المخلوق على الرجوع إلى تلك الحالة في الحكم لا في العين ولا يقدر على هذا الوصف من الرجوع إلى العدم بالحكم مع الوجود العيني إلا من عرف من أين جاء وما يراد منه وما خلق له فقد تبين لك من شرف العدم المطلق ما فيه كفاية وهذه مسألة أغفلها الناس ولم يعقلوها عن الله حين ذكرها ولما تبين أن الشرف للموجودات والمعدومات إنما كان من حيث الدلالة وجب تعظيمها فقال تعالى ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب والشعائر هي الإعلام فهي الدلالات فمن عظمها فهو تقي في جميع تقلباته فإن القلوب من التقليب وما قال سبحانه إن ذلك من تقوى النفوس ولا من تقوى الأرواح ولكن قال من تقوى القلوب لأن الإنسان يتقلب في الحالات مع الأنفاس وهو إيجاد المعدومات مع الأنفاس ومن يتق الله في كل تقلب يتقلب فيه فهو غاية ما طلب الله من الإنسان ولا يناله إلا الأقوياء الكمل من الخلق لأن الشعور بهذا التقلب عزيز ولهذا قال شعائر الله أي هي تشعر بما تدل عليه وما تكون شعائر إلا في حق من يشعر بها ومن لا يشعر بها وهم أكثر الخلق فلا يعظمها فإذا لا يعظمها إلا من قصد الله في جميع توجهاته وتصرفاته كلها ولهذا ما ذكرها الله إلا في الحج الذي هو تكرار القصد ولما كان القصد لا يخلو عنه
672
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 672