نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 669
البدر خيف من اللصوص فينبغي إن يدخل الإنسان المدينة حذرا من اللصوص فكنت أفهم عنه من هذا الكلام أنه يريد أن النفوس إذا كان شهود الحق غالبا عليها محققة به وفيه عند من يدخل بساتين معرفة الله والكلام في جلاله على ضروبه وكثرة فنونه فشبه الحق بالبدر وشبه ما تحويه البساتين من ضروب الفواكه بما تحوي عليه الحضرة الإلهية من معارف الأسماء الإلهية وصفات الجلال والتعظيم وفهمت منه في المنام من قوله إذا غاب البدر وذلك شهود الحق في الأشياء والحضور معه والنية الخالصة فيه كان ظلام الجهل والغفلة عن الله والخطاء وخيف من اللصوص يريد الشبه المضلة الطارئة لأصحاب النظر الفكري وأصحاب الكشف الصوري فذكر ذلك خوفا على النفوس إذا اشتدت في الكلام على ما يستحقه جناب الحق فليدخل المدينة يريد فليتحصن من ذلك بالشرع الظاهر وليلزم الجماعة وهم أهل البلد فإن يد الله مع الجماعة ثم رأيته صلى الله عليه وسلم يتقلق قلقا عظيما بجميع أعضائه لعظيم ما هو فيه من السرور بما يتضمنه هذا المنزل من المعرفة وكانتا في الليل والبدر طالع حتى كان منه في النهار أرى البدر يضئ في كبد السماء وقائل يقول لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلق عظيم لما يرد عليه من الله ويشهده واستيقظت فقيدت الرؤيا في هذا المنزل واستبشرت بما رأيته لله الحمد على ذلك ويتضمن هذا المنزل علوما جمة وما من منزل إلا ويحتمل ما يحوي عليه من المعارف مجلدات كثيرة فقلت لأصحابي في هذه الليلة إنما أجعل من المنزل بعض ما يحوي عليه من المعارف مسألة من مسائله فسألني بعض أصحابي قال إذا كان الأمر على هذا فنبهنا على عدد ما يحويه من المسائل بذكر رؤس أصولها خاصة لنعرفها من غير تفصيل مخافة التطويل فقلت إن شاء الله ربما أفعل ذلك فبما بقي علينا من هذه المنازل في هذا الكتاب فكانت على هذه الليلة ليلة مباركة فاعلم إن هذا المنزل يتضمن علم التجلي في النجوم على كثرتها في كل نجم منها في آن واحد برؤية واحدة وعلم تداخل التجليات وعلم تجلى التابع والمتبوع وهل يحصل للتابع ذوق من تجلى المتبوع أم لا فإن المتبوع إنما جاء يدعو إلى الله ما جاء يدعو إلى نفسه فقال تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله وقال ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فجعل للتابع نصيبا في الدعاء إلى الله فكل علم يستقل به الإنسان من كونه عاقلا لا يحتاج فيه إلى غيره من رسول ولا دل عليه كالعلم بتوحيد الله وما يجب له وكذلك ما يحصل له من الفيض الإلهي في الكشف في خلواته وطهارة نفسه بمكارم الأخلاق فمثل هذا يكون له من التجلي مثل ما للمتبوع لأنه ليس بتابع إنما هو ذو بصيرة إما لدليل عقل سار أو لكشف محقق هو فيه مثل المتبوع وكل إنسان ما له هذا المقام وكان الذي عنده من العلم بالله أخذه إيمانا من المتبوع ومشى عليه ويكون ذلك العلم مما لا يمكن أن يحصل إلا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو علم التقرب إلى الله من كونه قربة لا من كونه علما وكذلك الأعمال البدنية والقلبية على طريق القربة لا تعلم إلا من المتبوع فإذا كان التجلي في هذا المقام لصاحب هذا العلم فلا يلحق فيه التابع المتبوع أبدا فهو للمتبوع تجل شمسي وهو للتابع تجل قمري ونجومي فاعلم ذلك ومما يتضمنه هذا المنزل تجلى الحق لأهل الشقاء في غير الاسم الرب مع أن الله ما جعل الحجاب إلا في يومئذ مخصوصا وفي اسم الرب المصاف إليهم لا في إطلاق الاسم فهم في الحجاب في زمان مختص من اسم مضاف خاص بهم فلا يمنع تجليه في هذا الاسم الخاص لهم في غير ذلك الزمان وفي اسم الرب المطلق وفي غيره من الأسماء قال تعالى كلا إنهم عن ربهم يومئذ فأضافه إليهم يومئذ لمحجوبون فجعله زمانا معينا فافهم ويتضمن هذا المنزل أنه ليس كل تجل يقع به النعيم وأن النعيم بالتجلي إنما يقع للمحبين المشتاقين الذين وفوا بشروط المحبة ويتضمن هذا المنزل بطون عالم الشهادة في الغيب فيرجع ما كان شهادة غيبا وما كان غيبا شهادة وهكذا ذهب إليه بعض العارفين في نشأة الآخرة إن الأجسام تكون مبطونة في الأرواح وأن الأرواح تكون لها ظروفا ظاهرة بعكس ما هي في الدنيا فيكون الظاهر في الدار الآخرة والحكم للروح لا للجسم ولهذا يتحولون في أية صورة شاءوا لغلبة الروحية عليهم وغيبية الجسم فيها كما هم اليوم عندنا الملائكة وعالم الأرواح يظهرون في أية صورة شاءوا ومن منازل أصحاب الكشف الذين أنكروا حشر الأجسام فإنهم أبصروا في كشفهم الأمر الواقع في الدار الآخرة ورأوا أرواحا تتحول في الصور كما يريدون وغيب عنهم ما تحوي عليه تلك الأرواح
669
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 669