نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 646
العقل لكونه وراء طوره وهو النسب الإلهية لم يقبله ميزانه ورمى به وكفر به وتخيل أنه ما ثم حق إلا ما دخل في ميزانه والمجتهد الفقيه وزن حكم الشرع بميزان نظره كالشافعي المذهب مثلا أراد أن يزن بميزانه تحليل النبيذ الذي قبله ميزان أبي حنيفة فرمى به ميزان الشافعي فحرمه وقال أخطأ أبو حنيفة ولم يكن ينبغي للشافعي المذهب مثلا أن يقول مثل هذا دون تقييد وقد علم إن الشرع قد تعبد كل مجتهد بما أداه إليه اجتهاده وحرم عليه العدول عن دليله فما وفي الصنعة حقها وأخطأ الميزان العام الذي يشمل حكم الشريعة على الإطلاق وهو الذي استند إليه علماء الشريعة بلا خلاف في أصول الأدلة وفي فروع الأحكام فأما في الأصول فالمثبتون القياس دليلا أداهم إلى ذلك اجتهادهم المشروع لهم وقد علم المخالف لهم من الظاهرية أن كل مجتهد متعبد بما أعطاه اجتهاده ولكن يقول فيهم إنهم أخطئوا في إثباتهم القياس دليلا وليس للظاهرية تخطئة ما قرره الشرع حكما فيثبت القياس دليلا شرعا ويثبت نفي القياس أن يكون دليلا شرعا وأما في الفروع فكعلي رضي الله عنه الذي يرى نكاح الربيبة إذا لم تكن في الحجر وإن دخل بأمها لعدم وجود الشرطين معا وإنه بوجودهما تحرم الربيبة يعني بالمجموع والمخالف لا يرى ذلك فالميزان العام يمضي حكم كل واحد منهما ولكن العامل بالميزان العام قليل لعدم الإنصاف فقد بينا في هذا الفصل سبب الحرمان الذي حكم على الفقهاء العقلاء النظار فلم يلجوا باب هذا العلم الشريف الإحاطي الذي يسلم لكل طائفة ما هي عليه سواء قادهم ذلك إلى السعادة أو إلى الشقاء ولا يسلم له أحد طريقه سوى من ذاق ما ذاقوه وآمن به كما قال أبو يزيد إذا رأيتم من يؤمن بكلام أهل هذه الطريقة ويسلم لهم ما يتحققون به فقولوا له يدعو لكم فإنه مجاب الدعوة وكيف لا يكون مجاب الدعوة والمسلم في بحبوحة الحضرة ولكن لا يعرف أنه فيها لجهله بها فالله يجعلنا ممن جعل له نورا من النور الذي يهدي به من يشاء من عباده حتى يهدي به إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض من الموازين والصراطات إلا إلى الله تصير الأمور وترجع قال تعالى في معرض الامتنان منه على رسوله صلى الله عليه وسلم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وهو قوله يلقي الروح من أمره ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وهو عرو المحل عن كل ما يشغله عن قبول ما أوحي به إليه ولكن جعلناه نورا يعني هذا المنزل نهدي به من نشاء من عبادنا فجاء بمن وهي نكرة في الدلالة مختصة عنده ببعض عباده من نبي أو ولي وإنك لتهدي بذلك النور الذي هديتك به فإن كان هذا العبد نبيا فهو شرع وإن كان وليا فهو تأييد لشرع النبي وحكمه أمر مشروع مجهول عند بعض المؤمنين به إلى صراط مستقيم في حق النبي طريق السعادة والعلم وفي حق الولي طريق العلم لما جهل من الأمر المشروع فيما يتضمنه من الحكمة قال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا لا يقال فيه قليل ثم قال وما يذكر إلا أولوا الألباب واللب نور في العقل كالدهن في اللوز والزيتون والتذكر لا يكون إلا عن علم منسي فتنبه لما حررناه في هذه الآيات تسعد إن شاء الله تعالى وبعد أن أبنت لك عن مرتبة هذا العلم من هذا المنزل فلنبين أصل هذا العلم ومادة بقائه وحجاب مادته وبما ذا يوصل إلى ذلك بتأييد الله وتوفيقه فاعلم إن أصل هذا العلم الإلهي هو المقام الذي ينتهي إليه العارفون وهو أن لا مقام كما وقعت به الإشارة بقوله تعالى يا أهل يثرب لا مقام لكم وهذا المقام لا يتقيد بصفة أصلا وقد نبه عليه أبو يزيد البسطامي رحمه الله لما قيل له كيف أصبحت فقال لا صباح لي ولا مساء إنما الصباح والمساء لمن تقيد بالصفة وأنا لا صفة لي فالصباح للشروق والمساء للغروب والشروق للظهور وعالم الملك والشهادة والغروب للستر وعالم الغيب والملكوت فالعارف في هذا المقام كالزيتونة المباركة التي لا هي شرقية ولا غربية فلا يحكم على هذا المقام وصف ولا يتقيد به وهو حظه من ليس كمثله شئ وسبحان ربك رب العزة عما يصفون فالمقام الذي بهذه المثابة هو أصل هذا العلم وبين هذا الأصل وهذا العلم مراتب فالأصل هو الثبات على التنزيه عن قبول الوصف والميل إلى حال دون حال ثم ينتج هذا الثبات صورة يتصف بها العارف لها ظاهر ولها باطن فالباطن منها لا يصل إليه إلا بعد المجاهدة البدنية والرياضة النفسية فإذا وصل إلى سر هذا الباطن وهو علم خاص هو لهذا العلم المطلوب كالدهن للسراج والعلم
646
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 646