نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 645
البصيرة التي نزل القرآن بها في قوله تعالى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وهو تتميم قوله تعالى بعث في الأميين رسولا منهم فهو النبي الأمي الذي يدعو على بصيرة مع أميته والأميون هم الذين يدعون معه إلى الله على بصيرة فهم التابعون له في الحكم إذ كان رأس الجماعة والمجتهد وصاحب الفكر لا يكون أبدا على بصيرة فيما يحكم به فأما المجتهد فقد يحكم اليوم في نازلة شرعية بحكم فإذا كان في غد لاح له أمر آخر أبان له خطأ ما حكم به بالأمس في النازلة فرجع عنه وحكم اليوم بما ظهر له ويمضي الشارع حكمه في الأول والآخر ويحرم عليه الخروج عما أعطاه الدليل في اجتهاده في ذلك الوقت فلو كان على بصيرة لما حكم بالخطأ في النظر الأول بخلاف حكم النبي فإن ذلك صحيح أعني الحكم الأول ثم رفع الله ذلك الحكم بنقيضه وسمي ذلك نسخا وأين النسخ من الخطاء فالنسخ يكون مع البصيرة والخطاء لا يكون مع البصيرة وكذلك صاحب العقل وهو واقع من جماعة من العقلاء إذا نظروا واستوفوا في نظرهم الدليل وعثروا على وجه الدليل أعطاهم ذلك العلم بالمدلول ثم تراهم في زمان آخر أو يقوم لهم خصم من طائفة أخرى كمعتزلي وأشعري أو برهمي أو فيلسوف بأمر آخر يناقض دليله الذي كان يقطع به ويقدح فيه فينظر فيه فيرى إن ذلك الأول كان خطأ وأنه ما استوفى أركان دليله وأنه أخل بالميزان في ذلك ولم يشعر وأين هذا من البصيرة ولما ذا لا يقع له هذا في ضرورات العقل فالبصيرة في الحكم لأهل هذا الشأن مثل الضروريات للعقول فمثل هذا العلم ينبغي للإنسان أن يفرح به حكي عن أبي حامد الغزالي المترجم عن أهل هذه الطريقة بعض ما كانوا يتحققون به قال لما أردت أن انخرط في سلكهم وآخذ مأخذهم وأغرف من البحر الذي اغترفوا منه خلوت بنفسي واعتزلت عن نظري وفكري وشغلت نفسي بالذكر فانقدح لي من العلم ما لم يكن عندي ففرحت بذلك وقلت إنه قد حصل لي ما حصل للقوم فتأملت فيه فإذا فيه قوة فقهية مما كنت عليه قبل ذلك فعلمت أنه بعد ما خلص لي فعدت إلى خلوتي واستعملت ما استعمله القوم فوجدت مثل الذي وجدت أولا وأوضح وأسنى فسررت فتأملت فإذا فيه قوة فقهية مما كنت عليه وما خلص لي عاودت ذلك مرارا والحال الحال فتميزت عن سائر النظار أصحاب الأفكار بهذا القدر ولم ألحق بدرجة القوم في ذلك وعلمت أن الكتابة على المحو ليست كالكتابة على غير المحو ألا ترى الأشجار منها ما يتقدم ثمره زهره وهو كمرتبة علماء النظر إذا دخلوا طريق الله كالفقيه والمتكلم ومنه ما لا يتقدم ثمره زهره وهو الأمي الذي لم يتقدم علمه اللدني علم ظاهر فكري فيأتيه ذلك بأسهل الوجوه وسبب ذلك أنه لما كان لا فاعل إلا الله وجاء هذا الفقيه والمتكلم إلى الحضرة الإلهية بميزانهما ليزنوا على الله وما عرفوا إن الله تعالى ما أعطاهم تلك الموازين إلا ليزنوا بها لله لا على الله فحرموا الأدب ومن حرم الأدب عوقب بالجهل بالعلم اللدني الفتحي فلم يكن على بصيرة من أمره فإن كان وافر العقل علم من أين أصيب فمنهم من دخل وترك ميزانه على الباب حتى إذا خرج أخذه ليزن به لله وهذا أحسن حالا ممن دخل به على الله ولكن قلبه متعلق بما تركه إذ كان في نفسه الرجوع إليه فحرم من الحق المطلوب بقدر ما تعلق به خاطره فيما تركه للالتفات الذي له إليه وأحسن من هذا حالا من كسر ميزانه فإن كان خشبا أحرقه وإن كان مما يذوب أذابه أو برده حتى يزول كونه ميزانا وإن بقي عين جوهره فلا يبالي وهذا عزيز جدا ما سمعنا أن أحدا فعله فإن فرضنا وليس بمحال إن الله قوى بعض عباده حتى فعل مثل هذا كما ذكر أبو حامد الغزالي عن نفسه أنه بقي أربعين يوما حائرا وهذا خطر ليس حال الأمي على هذا فإن الأمي يدخل إلى الله مؤمنا وهذه الحال التي ذكرها أبو حامد ليست حال القوم وإنما هي حالة من لم يكن على شريعة فأراد إن يعرف ما ثم فسأل فدل على طريق القوم فدخل ليعرف الحق بتعريف الله فهذا أيضا طاهر المحل وأبو حامد كان محله مشغولا بالحيرة فلم يقو قوة هذا في قبول ما يرد به الفتح الإلهي فإذا اتفق على التقدير أن يفتح على مثل هذا الشخص الذي هو بهذه المثابة أبصر فيما يفتح له به تلك الموازين التي أذهبها فيعجب من ذلك فلما خرج خرج بها فوزن بها لله لا عليه كما فعلته الأنبياء عليهم السلام فهو لا يرد شيئا ولا يضع شيئا في غير ميزانه وارتفع الغلط والشك وعرف معنى قوله ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فجعلها موازين كثيرة ليزن بكل ميزان ما وضع له ولما وزن المتكلم بميزان عقله ما هو خارج عن
645
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 645