نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 634
عنهم فيها شيئا فيلجأون إلى الله في رفعها فمن تلك الحقيقة المستورة فيهم في حال لا يكون فيه تحت اضطرار حسي من ذلك الوجه ينالون هذه الأسرار وإن كانوا أشقياء فإن نيلهم إياها مما يزيد في شقاوتهم حيث عرفوا من بيده الاقتدار وعدلوا عنه وعملوا لغيره مما نصبوه بأيديهم وأيدي من هو من جنسهم إلها وظهر لهم عجزه وتمادوا على غيهم كما قال تعالى في طغيانهم يعمهون واعلم أن بينة الله في عباده على قسمين القسم الواحد هو البينة الحقيقية وهو قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه يعني في نفسه وأما من تقام له البينة في غيره فقد يمكن أن يقبلها ويمكن أن لا يقبلها والذي يقبلها إن قبلها تقليد ألم تكن في حقه آية بينة ولا تنفعه وإنما يكون التقليد فيما يجئ به الرسول من الأحكام لا من البينات والشواهد على صدقه وإن لم يقبلها تقليدا فما قبلها إلا أن يكون هو على بينة من ربه في إن تلك آية بينة على صدق دعوى من ظهرت على يديه فيما ادعاه فعلمت من هذا أن الشئ لا ينفعك إلا إذا كان فيك ولا يضرك إلا إذا كان فيك ولهذا نقول في كثير من كلامنا إن حقيقة العذاب هو وجود الألم فيك لا أسبابه سواء وقعت الأسباب فيك أو في غيرك فلا نقول في الأشياء إلا أن تقوم لك منك وأقلها أن يقوم بك التصديق بما يتحقق به أهل طريق لله بأنه حق وإن لم تذقه ولا تخالفهم فتكون على بينة من ربك ولا بد في كونهم صادقين وبتلك البينة التي أنت عليها توافقهم في ذلك فأنت منهم في مشرب من مشاربهم فإنهم أيضا ممن يوافق بعضهم بعضا فيما يتحققون به في الوقت وإن كان لا يدرك هذا ذوقا ما أدركه صاحبه فيقر له به ويسلمه له ولا ينكره لارتفاع التهمة ومجالسة هؤلاء الأقوام لغير المؤمن بهم خطر عظيم وخسران مبين كما قال بعض السادة وأظنه رويما من قعد معهم وخالفهم في شئ مما يتحققون به في سرائرهم نزع الله نور الايمان من قلبه فلا يزال الإنسان على الحالة التي هو عليها حتى يقوم له الشاهد بالخروج عنها فمن كان في حالة الكتم كتم ومن كان في حالة الإظهار أظهر وأفشى قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا من هؤلاء الفرق فالله يجعلنا وإياكم ممن هو على بينة من ربه فإن تلاه شاهد فحسن ومزيد طمأنينة وتقوية للنفس فيما هي بسبيله وإن لم يكن ذلك ففي كونه على بينة من ربه كفاية فإن الشاهد إن لم يكن فيه المشهود له على بينة أنه صادق فيما يشهد له به وإلا فلا يقبله في باطنه كالشاهد مع صاحب الدعوى إذا كان في دعواه محقا فهو على بينة في نفسه من ربه إنه صادق ولكن الحاكم يطالبه بالشاهد فإذا شهد الشاهد له علم المشهود له أنه صادق في شهادته ببينته التي هو عليها إنه على حق في دعواه وإن كان المدعي ليس بصادق في دعواه فهو على بينة من نفسه ومن ربه إنه غير صادق فبما ادعاه فإذا طلبه الحاكم بالشاهد فأتى بشاهد زور فشهد له أنه صادق في دعواه فالمدعي على بينة من نفسه ومن ربه إن ذلك الشاهد الذي شهد له زور و شهد بالباطل ولا يقبله في نفسه وإن قبله الحاكم فأول ما يتجرح شاهد الزور عند من شهد له بما يعلم المشهود له أن الأمر على خلاف ما شهد له به فلهذا قلنا إن الشاهد لا نلتزمه إذ كنا لا نقبله ولا نتحقق صدقه ولا كذبه إلا حتى يكون في ذلك على بينة من الله فاعلم ذلك واعلم بعد أن تقرر هذا أن الأمر الذي كنى عنه الحق بأنه بينة لك من عنده هو سفير من الله إلى قلبك من خفي غيوبه مختص بك من حضرة الخطاب الإلهي والتعريف من الله أنه من عنده فخذ به وانظر ما يقبله فاقبله وما يدل عليه فاعتمد عليه وما ينفيه فانفه كما يفعل صاحب الفكر في دليله غير إن صاحب الفكر قد يتخذ دليلا ما ليس بدليل في نفس الأمر وقد يتخذ دليلا ما هو دليل في نفس الأمر ولكن بالنظر إلى قوة العقل فقد أعطى ما في قوته فلا يكون أبدا من حيث هو عقل إلا إن ذلك دليل وهو دليل وصاحب البينة من ربه على نور من الله وصراط مستقيم لا يعلم الأشياء بها إلا على ما تكون عليه الأشياء لا يقبل الشبه إلا شبها ذوقا من صورته لا يتمكن له أن يلبس فيها عليه بخلاف أصحاب الأفكار والذي يعطيه هذا السفير منه ما يعطيه ما هو مختص به ومنه ما يعطيه ما هو مطلوب له ولغيره ومنه ما هو مطلوب لغيره ولا يعطيه ما ليس له ولا لغيره ومما يعطيه ما هو له مقيم وما ليس له بمقيم فالمقيم كالمقامات وغير المقيم كالأحوال ثم إن أصحاب هذا المقام يتفرقون فيه ويتنوعون على نوعين منهم من يعصم من تأثير هواه ومنهم من لا يعصم من تأثير هواه فيه مع أن كل واحد من الطائفتين على علم محقق فبينتهم التي هم عليها أنه معصوم وأن هواه ليس له عليه سبيل وأنه غير معصوم وأن هواه قد أثر فيه لما سبق في علم الله فيه وهل ينفعه هذا العلم عند الله في سعادته
634
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 634