نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 630
لولا ما أخلت الأغصان أحيازها لم تجد الرياح حيث تهب فلها الحكم فيها بوجه وليس لها الحكم فيها بوجه وكان المقصود من تحريك الهواء الأشجار إزالة الأبخرة الفاسدة عنها لئلا تودع فيها ما يوجب العلل والأمراض في العالم إذا تغذت به تلك الأشجار فيأكلها الحيوان أو تفسد هي في نفسها بتغذيها بذلك فكان هبوب الرياح لمصالح العالم حيث يطرد الوخم عنه ويصفي الجو فتكون الحياة طيبة فالريح سبب مقصود غير مؤثر في مسببه وإنما الأثر في ذلك لناصب الأسباب وجاعلها حجابا عنه ليتبين الفضل بين الخلائق في المعرفة بالله ويتميز من أشرك ممن وحد فالمشرك جاهل على الإطلاق فإن الشركة في مثل هذا الأمر لا تصح بوجه من الوجوه فإن إيجاد الفعل لا يكون بالشركة ولهذا لم تلتحق المعتزلة بالمشركين فإنهم وحدوا أفعال العباد للعباد فما جعلوهم شركاء وإنما أضافوا الفعل إليهم عقلا وصدقهم الشرع في ذلك والأشاعرة وحدوا فعل الممكنات كلها من غير تقسيم لله عقلا وساعدهم الشرع على ذلك لكن ببعض محتملات وجوه ذلك الخطاب فكانت حجج المعتزلة فيه أقوى في الظاهر وما ذهبت إليه الأشاعرة في ذلك أقوى عند أهل الكشف من أهل الله وكلا الطائفتين صاحب توحيد والمشرك إنما جهلناه لكون الموجود لا يتصف إلا بإيجاد واحد والقدرة ليس لها في الأعيان إلا الإيجاد فلا يكون الموجود موجودا بوجودين فلا يصح أن يكون الوجود عن تعلق قدرتين فإن كل واحدة منهما إنما تعطي الوجود للموجود فإذا أعطته الواحدة منهما وجوده فما للأخرى فيه من أثر فبطل إذا حققت الشركة في الفعل ولهذا هو غير مؤثر في العقائد فالمشرك الخاسر المشروع مقته هو من أضاف ما يستحقه الإله إلى غير الله فعبده على أنه إله فكأنه جعله شريكا في المرتبة كاشتراك السلطانين في معنى السلطنة وإن كان هذا لا يحكم في ملك هذا ولكن كل واحد منهما سلطان حقيقة وبعد أن عرفت ما يتعلق من العلم بالحركة على قدر ما أعطاه الوقت من التعريف بذلك فلنبين من هذا المنزل لم وجدت هذه الحركة الخاصة فاعلم أنها وجدت لإظهار ما خفي في الغيب من الأخبار التي يثقل كونها على الخلق كما قال تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وقال في شأن الساعة ثقلت في السماوات والأرض وذلك أن الغيب إذا ثقل عليه الأمر وضاق عنه ولم يتسع له استراح على عالم الشهادة فتنفس الغيب تنفس الحامل المثقل فأبرز في عالم الشهادة ما كان ثقل عليه حمله وهو في المعنى كما يثقل على الإنسان كتم سره وحمل همه إذا لم يجد من يستريح عليه من إخوانه فإذا وجد أخا يبث إليه من همه الذي هو فيه وثقل عليه ما يجد في بثه له راحة بما أخذه منه صاحبه فكأنه قاسمه فيه فخف عليه فإن كان ما وقع له به الهم تحت قدرة من يبثه إليه من إخوانه فقضى حاجته أزال ذلك الثقل عنه بالكلية فمثل هذا هو الثقل الذي يكون في الغيب فيستريح على الشهادة وسبب ذلك كونه ليس له إنما هو أمانة عنده للشهادة وإذا كان المطلوب من ذلك الأمر الشهادة فإنما هو عند الغيب أمانة فيكون الغيب مكلفا بحفظها وأدائها في وقتها إلى الشهادة فبالضرورة يثقل عليه ألا ترى إلى قول الله تعالى إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما يعني لنفسه جهولا يعني بقدرها فهي ثقيلة في المعنى وإن كانت خفيفة في التحمل فكانت السماوات والأرض والجبال في هذه المسألة اعلم من الإنسان ولم تكن في الحقيقة اعلم وإنما الإنسان لما كان مخلوقا على الصورة الإلهية وكان مجموع العالم اغتر بنفسه وبما أعطاه الله من القوة بما ذكرناه فهان عليه حملها ثم إنه رأى الحق قد أهله للخلافة من غير عرض عليه مقامها فتحقق إن الأهلية فيه موجودة ولم تقو السماوات على الانفراد ولا الأرض على الانفراد ولا الجبال على الانفراد قوة جمعية الإنسان فلهذا أبين أن يحملنها وأشفقن منها وما علم الإنسان ما يطرأ عليه من العوارض في حملها فسمى بذلك العارض خائنا فإنه مجبول على الطمع والكسل وما قبلها إلا من كونه عجولا فلو فسح الحق له في الزمان حتى يفكر في نفسه وينظر في ذاته وفي عوارضه لبان له قدر ما عرض عليه فكان يأبى ذلك كما أبته السماء وغيرها ممن عرضت عليه ولقد روينا فيما رويناه عن الحسن البصري أن رجلا قدم من سفر فقصد دار الحسن فلما خرج إليه الحسن قال له إني قدمت من مدينة كذا وحملني فلان صديقك السلام عليك فهو يسلم عليك فقال له الحسن متى قدمت قال الساعة قال هل مشيت إلى بيتك قبل إن تأتيني قال لا هذا دخولي على حالتي إليك لأؤدي أمانتك قال يا هذا أما إنك
630
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 630