نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 622
ويقطع بذلك وسبب ذلك الجهل بنغمتهم فكان إذا قعد عندي وحضر مجلسي يبهت ثم يصف ما يرى فاعلم أنه يخيل له فكان يصل في ذلك إلى حد الملاعبة والمصاحبة والمحادثة وربما يقع بينه وبين ذلك الذي شاهده مخاصمة في أمور ومناكرة فتضره الجن من طريق آخر وهو يتخيل أن تلك الصور منها صدر الضرر وغلب عليه ذلك رحمه الله وكان أبو العباس الدهان وجميع أصحابنا يشاهدون ذلك منه فمن عرف النغمات لم تلتبس عليه صورة أصلا وقليل من يعرف ذلك ويغترون بصدق ما يظهر من تلك الصور في أوقات فهذا قد بينا لك مراتب التحول في الصور من هذا المنزل وفيه من هذا الظهور في الصور عجائب جمة تنهر العقول وأعظمها تغير المزاج إلى مزاج آخر مع بقاء الجوهر لا بد منه الحامل لهذه الصورة فإن لم يبق الجوهر فما تحول قط ولكن هذا جوهر آخر في صورته ما تبدل ولا هو ذلك كما إن زيدا ليس عمرا ومن هذا المنزل أيضا وزن أبي بكر الصديق بالأمة فرجح هذا منزل حضرة الوزن بين المخلوقين من كل ما سوى الله ومن عرف ما في هذا المنزل وشاهد حكمه ورفعت له موازين الخلق على ما وضعهم الله عليه من الحال والمقام عرف فضل الملائكة بعضهم على بعض وفضل الناس بعضهم على بعض وفضل الجن بعضهم على بعض وفضل الحيوان بعضه على بعض وفضل النبات بعضه على بعض وفضل الجماد بعضه على بعض والمفاضلة بين الملائكة والبشر وبين الجن والبشر وبين الجماد والنبات والبشر ويعرف مفاضلة كل جنس مع غير جنسه ومن هنا يعرف فضل الحجر الأسود مع كونه جمادا وهو يمين الله فانظر هذه الرتبة وهو جماد وانظر في فرعون وأبي جهل وهو إنسان ومن هذا المنزل إذا وقفت على هذه المفاضلات رأيت الجنة فيمن تسري من هؤلاء الأجناس وأنواع الأجناس وأنواع الأنواع إلى آخر درجة وهي أشخاص النوع الأخير ويشاهد أيضا سريان النار في الأجناس بين حر وزمهرير وفي أنواع الأجناس وأنواع الأنواع حتى تنتهي إلى أشخاص النوع الأخير فتحكم على كل من تشاهده بما تشاهده فإنك إنما تشاهده بما له لا بوقته وهنا يقع تلبيس من حضرة خيالية في مقابلة هذه الحضرة فيشاهد ما يعطيه شاهد الوقت فيحكم عليه بالمال وهو تلبيس شيطاني من الصفة التي ذكرناها آنفا من كون الجن والشياطين تخيل للناس صورا عنهم وعن غيرهم وليس بحقيقة وهذه المسألة التبس الأمر فيها على أبي حامد الغزالي وغيره وممن التبس عليه الأمر في ذلك من الشيوخ الذين أدركناهم أبو أحمد بن سيد بون بوادي أشت فكان يقول هو وأمثاله إن الإنسان إنما يطرأ عليه التلبيس ما دام في عالم العناصر فإذا ارتقى عنها وفتحت له أبواب السماء عصم من التلبيس فإنه في عالم الحفظ والعصمة من المردة والشياطين فكل ما يراه هنالك حق فلنبين لك الحق في ذلك ما هو وذلك أن الذي ذهبت إليه هذه الطائفة القائلون بما حكيناه عنهم من رفع التلبيس فيما يرونه لكونهم في محال لا تدخلها الشياطين فهي محال مقدسة مطهرة كما وصفها الله وذلك صحيح إن الأمر كما زعموه ولكن إذا كان المعراج فيها جسما وروحا كمعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما من عرج به بخاطره وروحانيته بغير انفصال موت بل بفناء أو قوة نظر يعطي إياها وجسده في بيته وهو غائب عنه بفناء أو حاضر معه لقوة هو عليها فلا بد من التلبيس إن لم يكن لهذا الشخص علامة إلهية بينه وبين الله يكون فيها على بينة من ربه فيما يراه ويشاهده ويخاطب به فإن كان له علامة يكون بها على بينة من ربه وإلا فالتلبيس يحصل له وعدم القطع بالعلم في ذلك إن كان منصفا وقد يكون الذي شاهده حقا ويكون معصوما محفوظا في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك فإذا كان على بينة من ربه حينئذ يأمن التلبيس كما أمنته الأنبياء عليهم السلام فيما يلقى إليهم من الوحي في بيوتهم وذلك أن الشيطان لا يزال مراقبا لحال هذا المريد المكاشف سواء كان من أهل العلامات أو لم يكن فإن له حرصا على الإغواء والتلبيس ولعلمه بأن الله قد يخذل عبده بعد عصمته مما يلقي إليه فيقول عسى ويعيش بالترجي والتوقع وإن عصم باطن الإنسان منه ورأى أنوار الملائكة قد حفت بهذا العبد انتقل إلى حسه فيظهر له في صورة الحس أمورا عسى يأخذه بها عما هو بسبيله مع الله في باطنه وهذا فعله مع كل معصوم محفوظ بأنوار الملائكة حسا في باطنه وأما إن كان معصوما في نفس الأمر وليس على باطنه حفظة من الملائكة فإن الشيطان يأتي إلى قلبه وهذا الشخص بكونه معصوما في نفس الأمر بالبينة التي هو عليها من ربه لا يقبل منه ما يلقى إليه هذا إن لم يكن متبحرا في العلم ويكون
622
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 622