نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 605
كان حاله الذلة والافتقار ومقامه الجلال والقبض والهيبة والخوف فإذا كانت أوصاف العبد ما ذكرناه منحه الله العزة والغني في حاله والجمال والبسط والأنس به والرجاء في غيره لا في نفسه فإنه في حق نفسه من ربه في أمان لأنه قد بشر كما قال لهم البشرى في الحياة الدنيا وبشارة الحق حق لا يدخلها نسخ فيؤمن بوجودها المكر ولكن إذا كان نصا وفي هذا المنزل ذوق عجيب لا يكون في غيره وهو أنه إذا كنت في حال من الأحوال فإن الحق يهبك في تلك الحال علما من ذلك الحال لا تخرج عنه مثل الذي ينتقل من العلم بالشئ إلى معاينة ذلك الشئ فلم يحصل له إلا مزيد وضوح في عين واحدة كذلك هذا المنزل وهو منزل منه يعلم الجمع بين الضدين وهو وجود الضد في عين ضده وهذا العلم أقوى علم تعلم به الوحدانية لأنه يشاهد حالا لا يمكن أن يجهله إن عين الضد هو بنفسه عين ضده فيدرك الأحدية في الكثرة لا على طريقة أصحاب العدد فإن تلك طريقة متوهمة وهذا علم مشهود محقق وممن تبرز في هذا المنزل المبارك أبو سعيد الخراز من المتقدمين وكنت أسمع ذلك عنه حتى دخلته بنفسي وحصل لي ما حصل فعرفت أنه الحق وأن الناس في إنكارهم ذلك على حق فإنهم ينكرونه عقلا وليس في قوة العقل من حيث نظره أكثر من هذا ومن أعطى ما في وسعه من حيث ما تقتضيه تلك الجهة فقد وفي الأمر حقه وهذا الذي استقر عليه قدمنا وثبت فلا ننكر على مدع ما يدعيه إلا الإنكار الذي أمرنا به فننكره شرعا وهذا الإنكار حقيقة أيضا لا نشهد إلا هيأة يجب الإنكار بها وفيها كما أنكرنا ذلك عقلا فللشرع قوة لا يتعدى بها ما تعطيه حقيقتها كما فعلنا في العقل وللذوق قوة نعاملها به أيضا كما عاملنا سائر ما نسب إليه القوي بحسب قوته فنحن مع الوقت فننكر مع العقل ما ينكره العقل لأن وقتنا العقل ولا ننكره كشفا ولا شرعا وننكر مع الشرع ما ينكره الشرع لأن وقتنا الشرع ولا ننكره كشفا ولا عقلا وأما الكشف فلا ينكر شيئا بل يقرر كل شئ في رتبته فمن كان وقته الكشف أنكر عليه ولم ينكر هو على أحد ومن كان وقته العقل أنكر وأنكر عليه ومن كان وقته الشرع أنكر وأنكر عليه فاعلم ذلك واعلم أن لهذا المنزل حالا لا يكون لغيره وهو أنه يعطي تحصيل هوية الأسماء الإلهية وهذا خلاف ما تعطيه حقيقة الهو فإن الهو من حقيقته أنه لا يتحصل ولا يشاهد أبدا إلا في هذا المشهد والمنزل فإن عين الظاهر فيه هو بنفسه عين الباطن غير أن هوية الحق لا تدخل في هذا المنزل وإنما قلنا ذلك في هوية الأسماء الإلهية من كون هويتها لا من أنانيتها واعلم أن هذا المنزل إذا دخلته تجتمع فيه مع جماعة من الرسل صلوات الله عليهم فتستفيد من ذوقهم الخاص بهم علوما لم تكن عندك فتكون لك كشفا كما كانت لهم ذوقا فيحصل لك منهم علم الأدلة والعلامات فلا يخفى عليك شئ في الأرض ولا في السماء إذا تجلى لك إلا تميزه وتعرفه حين يجهله غيرك ممن لم يحصل في هذا المنزل وهو علم كشف لأنك تشهده بالعلامة لا تراه من نفسك لأنه ليس بذوق لك ويحصل لك منهم علم القدم وهو علم عزيز به يكون ثباتك على ما يحصل لك من الأسرار والعلوم بعد انفصالك عن الحضرات التي يحصل لك فيها ما يحصل من العلم والأسرار فكثير من الناس من نسي ما شاهده فإذا حصل له هذا العلم من هذا النبي يثبت فيه ثبات الأنبياء ويحصل لك منهم أيضا علم الشرائع في العالم ومن أين مأخذها وكيف أخذت ولما ذا اختلفت في بعض الأحكام وفيما ذا اتفقت واجتمعت حتى إن صاحب هذا الكشف لو لم يكن مؤيدا في كشفه لادعى النبوة ولكن الله أيد أولياءه وعصمهم عن الغلط في دعوى ما ليس لهم لخروجهم عن حظوظ نفوسهم عند الخلق لكنهم لا يخرجون عن حظوظها عند الحق ولا يصح أن يطلب الحق للحق وإنما يطلب للحظ فإن فائدة الطلب التحصيل للمطلوب والحق لا يحصل لأحد فلا يصح أن يكون مطلوبا لعالم فلم يبق إلا الحظ ومن هذا العلم يداوي العشاق إذا أفرطت فيهم المحبة من هذه الحضرة يستخرج لهم دواء الراحة مما هم فيه من العذاب الذي يعطيه العشق من القلق والكمد والانزعاج ويحصل من مشاهدة هؤلاء الأنبياء أيضا علم ما يحتاج إليه نواب الحق في عباده من الرحمة والقهر والشدة واللين وما يعاملون به الخلق وما يعاملون به الحق وما يعاملون به أنفسهم إذا كانوا نوابا فيستفيد هذا كله وإن لم يحصل له درجة النيابة في العامة ولكنه نائب الله في عالمه الخاص به الذي هو نفسه وأهله وولده إن كان ذا أهل وولد ويحصل له منهم السر الذي به يحيي الجاهل من موت جهله وما يحيي الله به الموتى فإنه راجع إلى منزل الألفة لأن الحياة
605
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 605