نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 572
في حضرة القرب وذكرنا فيه معيني مسائل كثيرة مما سئل عنها فأجاب ولا تبايعه إلا الأرواح المطهرة المقربة ولا يسأله من الأرواح المبايعة من الملائكة والجن والبشر إلا أرواح الأقطاب الذين درجوا خاصة فذكرنا في ذلك الكتاب سؤالاتهم وجوابه عليها موفى وهكذا هي حالة كل قطب يبايع في زمانه فلنذكر في هذا الباب من بعض أحواله العامة لكل قطب دون الأحوال الخاصة به ليعلم الواقف على كتابي هذا صاحب الذوق المشاهد إياه أنا ما عدلنا في كتابنا هذا عن الطريقة التي لا يجهلها كل عارف من أهل هذا الشأن فلو ذكرنا الحال الخاص به ربما كان يقول هذه دعوى فلنبدأ أولا بحال الإمام الأقصى ثم الإمام الأدنى ثم القطب فأما الإمام الأقصى وهو عبد ربه فإن حاله البكاء شفقة على العالم لما يراهم عليه من المخالفات وينظر إلى توجه الأسماء الإلهية التي تقتضي العقاب والأخذ ولا يتجلى له من الأسماء الإلهية ما تقتضيه المخالفات من العفو والتجاوز فلهذا يكثر بكاؤه فلا يزال داعيا لعباد الله رحيما بهم سائلا الله سبحانه أن يسلك بهم طريق الموافقات ولقد عاينت في بعض سياحاتي هذا الإمام فما رأيت ممن رأيت من الصالحين أشد خوفا منه على عباد الله ولا أعظم رحمة فقلت له لم لا تأخذك الغيرة لله فقال إني لا أريد أن يغار لله من أجلي ولكن أريد أن يسأل الله من أجلي ليرحمني ويتجاوز فلا أحب لعباد الله إلا ما أحبه لنفسي ولا ينبغي للصادق مع الله أن يتصور في صورة حال لا يعطيه مقامه ولهذا الإمام قوة سلطان على الشياطين الملازمين أهل الخير والصلاح ليصرفوهم عن طريقهم فإذا وقع نظر الشيطان على هذا الإمام وهو عند بعض الصالحين يحتال كيف يصرفه عن طريقته يذوب كما يذوب الرصاص في النار فيناديه الإمام باسمه عسى يسلم فيدبرها ربا فلا يزال ذلك الصالح محفوظا من إلقاء هذا الصنف من الشياطين إليه ما يخرجه عن صلاحه ما دام هذا الإمام حاضرا ناظرا إليه وإن كان ذلك الصالح لا يعرفه ولا يعرف ما جرى وقد عاينا هذا الطائفة فيدفع الله عن عباده بهذا الإمام الشرور التي تختص بالصالحين من عباده خاصة عناية منه بهم ومن خاصية هذا الإمام التصديق بكل خبر مخبر به عن الله سواء كان ذلك المحبر صادقا في أخباره أو مفتريا فإن هذا الإمام يصدقه لكونه ناظرا إلى الاسم الإلهي الذي يتولى هذا المخبر في أخباره فإن كان صادقا فإخباره عن كشف محقق فيستوي هو والإمام في ذلك وإن لم يكن له كشف وأخبر عما وقع عنده وهو لا يدري من أوقعه ويقصد الكذب فإن هذا الإمام يصدقه في أخباره والمخبر معاقب من الله محروم بقصده الكذب وهو في نفس الأمر ليس كذلك فوبال قصده عاد عليه فعذب إن آخذه الله بذلك ومن أحوال هذا الإمام أن يسأل دائما الانتقال إلى مقام المشاهدة من الأحوال ومقام الصلاح من المقامات وله اطلاع دائم إلى الجنان وإنما خصه الله بهذا الاطلاع إبقاء عليه فيقابل ما هو عليه من البكاء والحزن المؤدي إلى القنوط بما يراه ويطلعه الله عليه من سرور الجنان ونعيم أهله فيه ويعاين اشتياق أهله إليه وانتظارهم لقدومه فيكون ذلك سببا لاعتداله ومقام هذا الإمام الإحسان الأول وهو قول جبريل عليه السلام لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما الإحسان وجوابه صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه والذي بعده ليس لهذا الإمام وبيد هذا الإمام مصالح العالم وما ينتفعون به وهو يربي الأفراد ويغذيهم بالمعارف الإلهية ويقسم المعارف على أهلها بميزان محقق على قدر ما يرى فيه صلاح ذلك العارف لتحيا بتلك المعرفة نفسه وله السيادة على الثقلين والحكم والتصرف فيهما بما تعطيه المصلحة لهم ومن خصائص هذا الإمام الإقامة على كل ما يحصل له من الأحوال والمقامات وليس ذلك لكل أحد فما يتصف بحال فينتقل عنه ولا بمقام وغير هذا الإمام إذا انتقل إلى مقام أو حال حكم عليه سلطان ذلك المقام والحال وغيبه عما انتقل عنه وهذا الإمام ليس كذلك فإن المقام الذي انتقل عنه محفوظ عليه لا يغيب عنه قوة إلهية خصه الله بها ولروحه من الأجنحة مائتا جناح وأربعة أجنحة أي جناح نشر منها طار به حيث شاء وله قدم في المرتبة الثالثة والأولى ويدعى في بعض الأحايين بالبر الرحيم وكانت بدايته من المرتبة الثالثة ونهايته إلى المرتبة الأولى فكان طريقته من غايته إلى بدايته بخلاف السلوك المعروف فرجع القهقري بقطع المقامات والدرجات والمنازل فمن نهايته إلى بدايته تسعة عشر منزلا فيها منزل البداية والنهاية فتم منزل درجاته مائة واثنتان وعشرة وتسعون وعشرون وثلاثة وأربعة وثلاثون وخمسة وأربعون وستة وخمسون وسبعة وستون وثمانية
572
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 572