نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 539
الوقت ما يصادفهم من تصريف الحق لهم دون ما يختارون لأنفسهم وقيل الوقت ما يقتضيه الحق ويجريه عليك وقيل الوقت مبرد يسحقك ولا يمحقك وقيل الوقت كل ما حكم عليك ومدار الكل على أنه الحاكم ومستند الوقت في الإلهية وصفه نفسه تعالى إنه كل يوم في شأن فالوقت ما هو به في الأصل إنما يظهر وجوده في الفرع الذي هو الكون فتظهر شؤون الحق في أعيان الممكنات فالوقت على الحقيقة ما أنت به وما أنت به هو عين استعدادك فلا يظهر فيك من شؤون الحق التي هو عليها إلا ما يطلبه استعدادك فالشأن محكوم عليه بالأصالة فإن حكم استعداد الممكن بالإمكان أدى إلى أن يكون شأن الحق فيه الإيجاد ألا ترى أن المحال لا يقبله فأصل الوقت من الكون لا من الحق وهو من التقدير ولا حكم للتقدير إلا في المخلوق فصاحب الوقت هو الكون فالحكم حكم الكون كما قررنا في ظهور الحق في أعيان الممكنات بحسب ما تعطيه من الاستعداد فتنوعه بها وهو في نفسه الغني عن العالمين ولما كانت أذواق القوم في الوقت تختلف لذلك اختلفت عباراتهم عنه والوقت حقيقة كل ما عبروا به عنه وهكذا كل مقام وحال ليس يقصدون في التعبير عنه الحد الذاتي وإنما يذكرونه بنتائجه وما يكون عنه مما لا يكون إلا فيمن ذلك المقام أو الحال نعته وصفته فمن أحكامه فيهم وفي غيرهم أن الله قد رتب لهم أمورا معتادة يتصرفون فيها بحكم العادة مما لا جناح عليهم فيها أو مما قد اقترن به خطاب من الحق بأنه قربة فيختارون لأنفسهم فعل ذلك على جهة القربة إن كان من القرب أو على كونه مرفوع الحرج فيصادفهم من الحق أمر لم يكن في خاطرهم ولا اختاروه لأنفسهم فيعلمون إن الوقت أعطى ذلك الأمر وأن الله اختاره لهم فإنه القائل وربك يخلق ما يشاء أي يقدر ويوجد ثم قال ويختار ونفى أن تكون لهم الخيرة فقال ما كان لهم الخيرة وعندنا إن ما هنا اسم وهو في موضع نصب على أنه مفعول بقوله ويختار الذي كان لهم الخيرة يعني فيه فإذا علم العبد ذلك سلم الحكم فيه لله واستسلم وكان بحكم وقت ما يمضيه الله فيه لا بحكم ما يختاره لنفسه في المنشط والمكره ويرى أن الكل له فيه خير فيعامله الله في كل ذلك بخير فإن كان وقته يعطي نعمة وكان عقده مع الله مثل هذا رزقه الشكر عليها والقيام بحق الله فيها وأعين عليها وإن كان بلاء رزق الصبر عليه والرضاء به وجعل الله له مخرجا من حيث لا يحتسب كرجل يريد أن يسبح الله مائة ألف تسبيحة فيحتاج إلى زمان طويل في ذلك مع ما فيه من التعب والتفرع إليه من الحضور فيعثر على خبر صدق أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل قول الإنسان سبحان الله عدد خلقه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله رضاء نفسه سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات والحمد لله مثل ذلك والله أكبر مثل ذلك ولا إله إلا الله مثل ذلك أفضل مما أراده هذا العبد فقال هذا القول الذي جاءه بحكم المصادفة وإن لم يكن عنده منه خبر وترك ما كان يريد أن يذكره وعلم إن الذي اختار الله له بهذا التعريف في هذا الوقت أعظم مما اختاره لنفسه وقد وقع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عجوز مر عليها والحديث مشهور فإذا اقتضى الحق أمرا وكان له بك عناية أجراه عليك ورزقك القيام بحقه فالعاقل من أهل الله من يرى أن الخير كله الذي يكون للعبد هو فيما اقتضاه الحق فيما شرع لعباده وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم فمن استعمله الله في اقتضاء الحق المشروع فما بعد عناية الله به من عناية لمن عقل عن الله فالوقت المعلوم من جانب الحق هو عين ما خاطبك به الشرع في الحال فكن بحسب قول الشارع في كل حال تكن صاحب وقت وهو علامة على أنك من السعداء عند الله وهذا عزيز الوجود في أهل الله هو لآحاد منهم من أهل المراقبة لا يغفلون عن حكم الله في الأشياء وهنا زلت أقدام طائفة من أهل الحضور مع الله في كل شئ فهم لا يغفلون عن الله طرفة عين ولكنهم يغفلون عن حكم الله في الأشياء أو في بعضها أو أكثرها فمن لم يغفل عن حكم الله في الأشياء فما غفل عن الله فقد جمعوا بين الحضور مع الله ومع حكمه فهم أكثر علما وأعظم سعادة وهم أصحاب الوقت الذي يعطي السعادة وبعض رجال الله علم إن الله لا يعدم الأشياء القائمة بأنفسها بعد وجودها ولا يتصف بإعدام أحوالها ولا أعراضها بعد وجودها وإنما الأشياء تكون على أحوال فتزول تلك الأحوال عنها فيخلع الله عليها أحوالا غيرها أمثالا كانت أو أضدادا مع جواز إعدام الأشياء بمسكه الإمداد بما به بقاء أعيانها لكن قضى القضية أن لا يكون الأمر إلا هكذا ولذلك قال إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ولكن ما فعل فإن الإرادة والمشيئة ما تحدث له إذ ليس محلا للحوادث فمشيئته
539
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 539