نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 524
اعلموا أن المراد في اصطلاح القوم هو المجذوب عن إرادته مع تهيؤ الأمور له فهو يجاوز الرسوم والمقامات من غير مشقة بل بالتذاذ وحلاوة وطيب تهون عليه الصعاب وشدائد الأمور وينقسم المرادون هنا إلى قسمين القسم الواحد أن يركب الأمور الصعبة وتحل به البلايا المحسوسة والنفسية ويحس بها ويكره ذلك الطبع منه غير أنه يرى ويشاهد ما له في ذلك في باطن الأمر عند الله من الخير مثل العافية في شرب الدواء الكرية فيغلب عليه مشاهدة ذلك النعيم الذي في طي هذا البلاء فيلتذ بما يطرأ عليه من مخالفة الغرض وهو العذاب النفسي ومن الآلام المحسوسة لأجل هذه المشاهدة كعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه من أصحاب هذا المقام فقال في ذلك ما أصابني الله بمصيبة إلا رأيت أن لله علي فيها ثلاث نعم النعمة الواحدة حيث لم تكن تلك المصيبة في ديني والنعمة الثانية حيث لم تكن مصيبة أكبر منها إذ في الجائز أن يكون ذلك والنعمة الثالثة ما عند الله لي فيها من تكفير الخطايا ورفع الدرجات فاشكر الله تعالى عند حلول كل مصيبة وهنا فقه عجيب في طريق القوم تعطيه الحقائق لمن عرف طريق الله فإن البلاء لا يقبل الشكر والنعمة لا تقبل الصبر فإن شكر من قام به البلاء فليس مشهوده إلا النعم فيجب عليه الشكر وإن صبر من قامت به النعماء فليس مشهوده إلا البلاء وهو ما فيها من تكليف طلب الشكر عليها من الله وما كلفه من حكم التصرف فيها فمشهوده يقتضي له الصبر والحق سبحانه يردف عليه النعم وهو في شهوده ينظر ما لله عليه فيها من الحقوق فيجهد نفسه في أدائها فلا يلتذ بما يحسب الناس أنه به ملتذ فيصبر على ترادف النعماء عليه فهو صاحب بلاء فليس المعتبر إلا ما يشهده الحق في وقته فهو بحسب وقته إما صاحب شكر أو صاحب صبر فهذا حال القسم الواحد من المرادين وأما القسم الآخر فلا يحس بالشدائد المعتادة بل يجعل الله فيه من القوة ما يحمل بها تلك الشدائد التي يضعف عن حملها غيرها من القوي كالرجل الكبير ذي القوة فيكلف ما يشق على الصغير أن يحمله فما عنده خبر من ذلك بل يحمله من غير مشقة فإنه تحت قوته وقدرته ويحمله الصغير بمشقة وجهد فهذا ملتذ بحمله فارح بقوته يفتخر بها لا يجد ألما ولا يحس به كما قال أبو يزيد في بعض مناجاته أريدك لا أريدك للثواب * ولكني أريدك للعقاب وكل مآربي قد نلت منها * سوى ملذوذ وجدي بالعذاب فطلب اللذة بما جرت العادة به أن يثمر عذابا خرقا للعادة فما طلب العذاب يقول أهل الله ليس العجب من ورد في بستان وإنما العجب من ورد في قعر النيران يقول صاحب هذا الكلام ليس العجب ممن يلتذ بما جرت العادة أن يلتذ به الطبع وإنما العجب أن يلتذ بما جرت العادة أن يتألم به الطبع ذكر أن بعض المحبين جنى جناية فجلده الحاكم مائة جلدة فما أحس بتسع وتسعين منها فما استغاث فلما كان في السوط المكمل مائة استغاث فقيل له في ذلك فقال العين التي كنت أعاقب من أجلها كانت تنظر إلي فكنت أتنعم بالنظر إليها فما كنت أحس بمواقع السوط من ظهري فلما كان في السوط الموفي مائة غابت عني فأحسست بموقع السوط فاستغثت ورأيت المرأة الصالحة بمكة فاطمة بنت التاج ضربها أبوها ضربا مبرحا من غير جناية فما أحست بذلك وكانت تحس بشئ يحول بين ظهرها ومواقع السياط فيقع السوط في ذلك الحائل وتسمع وقع السوط بإذنها وتتعجب حيث لا تحس به وقد جرى لنا مثل هذا في بدايتنا في حكاية طويلة فهذا المراد قد يعطيه الله اللذة دائما بكل شئ يقوم به من بلاء ونعمة فإن النعيم ليس بشئ زائد على عين اللذة القائمة بالشخص كما إن البلاء ليس بشئ زائد على وجود عين الألم وأما الأسباب الموجبة لهما فغير معتبرة عندنا فليس صاحب البلاء إلا من قام به الألم وليس صاحب النعمة سوى من قامت به اللذة ويكون السبب ما كان معتادا أو غير معتاد وهذا القسم قد يجعل الله فيه إن يكون مرادا له في نفسه جميع ما يريد الله أن ينزله به فإذا أعطاه الله مرادة ولا بد من ذلك فإن ذلك مراد لله تعالى فإنه يلتذ بوقوع مراده فتكون الشدائد والمكاره المضادة مرادة له فتحل به فيحملها بما عنده وما جعل الله فيه من القوة فقد يكون حال المراد بهذه المثابة وأهل البداية في هذا الطريق كلهم عند حصول التوبة ملتذون بكل شدة تطرأ عليهم فهي شدة عند غيرهم وهي ملذوذة هينة
524
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 524