نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 509
على أنه من أهل الوصول والتحقق وأما الرسم بالراء فهو أثر الحق على العبد الظاهر عليه عند رجوعه من حال ما قد ادعاه أو مقام فيصدقه هذا الأثر للظاهر عليه في دعواه فاعلموا أيدنا الله وإياكم بروح منه أن الوسم فينا كالأسماء لله دلالات عليه ليعرف بها فلما كثرت المعاني وتعددت نسبتها جعل للذات المنسوبة إليها هذه المعاني أسماء بإزاء كل معنى اسما يدل عليه ويعرف به لتحصيل الفوائد من العلماء بذلك المتعلقة بها فجعل الله لكل حال ومقام علامة تسمى وسما تدل على ذلك المقام والحال دلالة ترفع الإبهام والإجمال والاشتراك وتكون تلك الدلالة نعتا لذلك المعنى الذي له الحكم من هذه الذات فلا يزال يجري في الأبد أي يظهر دائما كما لم يزل في الأزل وهنا نكتة بديعة وذلك إنا قد قدمنا إن العالم على صورة الحق ومن علمه بنفسه تعلق العلم بالعالم فكان العالم مشهودا للحق أزلا وإن لم يكن موجودا والوسم من جملة العالم على حكمه ومرتبته فهو مشهود له أزلا يجري بحسب ما هو عليه في الأبد هذا هو تحقيق شأنه وكذلك الرسم فجميع ما هو العالم عليه في الأبد إنما هو على صورة ما ظهر به في الأزل إذ لا يختلف شهود الحق فيه وقد كان مشهودا له في الأزل حيث لم يكن موجودا عينيا فقد شاهد هذا الرسم والوسم أزلا يجريان في العالم كما هما في الأبد عليه فافهم ذلك وليس الوسم ولا الرسم بجعل جاعل في الأصل بل ظهرا هنا في الأبد بجعل جاعل وهو الله تعالى ولا بد لكل حال ومشهد ومقام من أثر فيمن قام به ذلك لأثر هو الرسم فالأثر من حيث ظهوره في المؤثر فيه بفتح الثاء يسمى رسما وهو بعينه من حيث إنه دلالة على صدق صاحب ذلك الحال أو المشهد أو المقام أو ما كان يسمى وسما فعين مسمى الوسم هو عين مسمى الرسم ويختلفان من حيث الحكم فالوسم عين الرسم من وجه وليس هو عينه من وجه إذا اعتبرت الحكم فالرسم في الجناب الإلهي الذي صدر عنه هذا الرسم في الكون هو كون الحق يظهر فيه أثر الإجابة عند سؤال السائلين إذ لا يكون مجيبا إلا عن سؤال فلما أوجب السؤال الإجابة كانت الإجابة أثرا في المجيب فهذا هو الرسم الإلهي ودليلنا عليه وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني ولما كان الأمر في نفسه بهذه المثابة في الجناب الإلهي ظهر في العالم الأثر أيضا إذ لو لم يكن كذلك لظهر في العالم أمر لا مستند له في الجناب الإلهي فيناط به الجهل به إذ قد تقرر أن علمه بالعالم علمه بنفسه فلهذه الحقيقة الإلهية استناد الرسم والوسم وقد يكون قول الطائفة في الوسم والرسم بما جريا في الأزل حكمهما في الجناب الإلهي إذ كان العالم ظاهرا بصورة حق ولا يحتمل البسط في هذا الباب أكثر من هذا وأما التفصيل فيه فيطول بطول العالم والعالم لا يتناهى الأثر فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب الثامن عشر ومائتان في معرفة القبض وأسراره على الاختصار والإجمال ) للقبض أسباب ولكنها * تعلم أوقاتا وقد تجهل فكل ما تعلم أسبابه * فحكمه السبب الأول وكل ما تجهل أسبابه * فلا تقل أدنى ولا أفضل فأفضل القبض إليه الذي * يعرفه الأمثل فالأمثل كقبضه الظل إليه وذا * عليه أهل الله قد عولوا اعلم أن الطائفة قالت في القبض إنه عبارة عن حال الخوف في الوقت فإن الأسف في الماضي والخوف والحذر في المستقبل والقبض للمعنى الحاصل في الوقت وبعضهم نزع في القبض إلى نتائجه فقال القبض وارد يرد على القلب يوجب إشارة إلى عتاب أو زجر باستحقاق تأديب وقال بعضهم القبض حال ينتجه الخوف وقد يكون الخوف مشعورا به وقد لا يكون فاعلموا أيدكم الله أن القبض في الجناب الإلهي الذي عنه صدر القبض في الكون هو ما اتصف به الحق سبحانه من صفات المخلوقين ولا سيما في قوله ووسعني قلب عبدي ثم تجليه لكل معتقد فيه في صورة اعتقاده فيه فصار الحق كأنه محصور مقبوض عليه بالاعتقادات وهي العلامة التي بين الله وبين عامة عباده ولو لم يكن كذلك لم يكن إلها وهو إله العالم بلا شك فلا بد من اتصافه بهذه السعة والعالم متباين الاستعداد ولا بد له من الاستناد فلا يزال يعبد كل جزء من العالم الله من حيث استعداده فلا بد أن يتجلى له الحق بحسب استعداده للقبول فما من شئ إلا وهو يسبح بحمده
509
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 509