نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 508
لا تقع أعينهم في الأشياء إلا على الحق فمنهم من يرى الحق في الأشياء ومنهم من يرى الأشياء والحق فيها وبينهما فرقان فإن الأول ما تقع عينه عند الفتح الأعلى الحق فيراه في الأشياء والثاني تقع عينه على الأشياء فيرى الحق فيها لوجود الفتح وأصل ظهور هذا الفتح من الجناب الإلهي حالة قوله ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم فيرفع الابتلاء حجاب الدعوى الذي كان يدعيه الكون فيكون الكشف وهو التعلق الخاص من العلم الإلهي بما وقع الأمر عليه فعلم صدق دعوى الكون من كذبه فمن هذه الصفة الإلهية ظهر فتح المكاشفة إذ لا يظهر في الوجود حكم إلا وله أصل في الجناب الإلهي إليه استناده ولا يصح أن يكون الأمر إلا هكذا فإنه قد ذكرنا في غير ما موضع أن علم الله بالأشياء من علمه بنفسه فخرج العالم على صورته فلا يشذ عنه حكم أصلا فهو سبحانه رب كل شئ ومليكة فالأشياء مرتبطة به في كل حال وما هو في كل حال مرتبط بالأشياء ولهذا غلط من غلط من أصحابنا ومن بعض النظار في أنهم عرفوا الله ثم عرفوا الأشياء فهم عرفوا الله من حيث إنه واجب الوجود لذاته وأنه لا يصح أن يكون ثم واجب الوجود لذاته فصحت أحدية واجب الوجود هذا كله صحيح لا نزاع فيه عند المنصف ولكن ليس المقصود إلا علم كونه ربا لهذا العالم هذا لا يعرفه ما لم تتقدم له معرفته بالعالم هذا ما يعطيه علم الكمل من رجال الله من أهل الحق ولهذا قال عليه السلام من عرف نفسه عرف ربه ما قال من عرف ربه عرف نفسه لأنه من حيث نفسه واجب الوجود وله الغني المطلق فلا التفات للغني المطلق إلى غير ذاته إذ لو التفت لم يصح ما قرره فلا يعلم أنه بإله للعالم فإذا أراد أن يعلم أنه إله العالم نظر في العالم فرأى فيه حقيقة الافتقار بإمكانه إلى المرجح فلم يجد إلا هذا الواجب الوجود لذاته الذي أثبته بدليله قبل أن ينظر في هذه المسألة الأخرى فأضافه إليه فقال هذا الواجب هو رب هذا العالم وبغير هذا الطريق في النظر فلا يعرف أنه إله العالم ثم إن أهل النظر انحجبوا عما ثبت في نفوسهم من افتقارهم حين صرفوا النظر إلى معرفة واجب الوجود لذاته فإن ثبت عندهم بالدليل أظهر لهم إمكانهم وافتقارهم من حيث لا يشعرون أن ذلك الواجب الوجود هو الهم فقالوا علمنا بالله متقدم على علمنا بالعالم وصدقوا ما قالوا علمنا بإلهنا أنه إلهنا متقدم على علمنا بنا فلم يشعروا بما وقعوا فيه من الغلط وعلمت بذلك الأنبياء فجعلت العالم دليلا عليه وأعظم فتح المكاشفة في مثل هذه المسألة أن يرى الحق فيكون عين رؤيته إياه عين رؤيته العالم للارتباط المحقق فيكشف العالم من رؤيته الله تعالى ولكن هذه الدقيقة ليست لأهل النظر لأن النظر ليس في قوته ذلك وإنما هو من خصائص الكشف هذا أبلغ ما يمكن أن تحقق به هذه المسألة من تقدم العلم بالله من كونه إلها للعالم على العلم بالعالم فهذا لا يعرف إلا من فتوح المكاشفة وما رأيت أحدا من المتقدمين من أهل الله تعالى نبه في هذا الفتوح الكشفي على هذه المسألة على التعيين فاحمد الله تعالى حيث أجرى على لساني الإبانة عن هذه المسألة فإنه ما كان في نفسي أن أشير إليها فأحرى أن أصرح بها وإنما الغيرة غلبت علي والحرص على نصح العباد الذين أمرني الحق بنصحهم على التخصيص أداني إلى شرح هذا القدر في فتوح المكاشفة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ( الباب السابع عشر ومائتان في معرفة الرسم والوسم وأسرارهما ) الرسم ما أعطيته من أثر * والوسم ما دل عليه الخبر إن ديارا قد عفي رسمها * ما فيها للعاقل من معتبر والوسم للتمييز إن كنت ذا * معرفة وصح منك النظر وعنهما أخبرنا قوله * سيماهم في وجههم من أثر في أزل كان لهم كل ما * أظهره رب القضاء والقدر فسلم الأمر إلى علمه * وكن به في حزب من قد شكر فإنه أولى بنا لا تكن * في حزب من يجحد أو من كفر اعلم أن الوسم والرسم عند الطائفة نعتان يجريان في الأبد بما جريا في الأزل يريدون بما سبق في علم الله لا أنهما جريا في الأزل ويستبين تحقيق الإشارة إليهما فالوسم بالواو من السمة وهي العلامة الإلهية على العبد أو في العبد تكون دلالة
508
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 508