نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 394
بقوله وذيلها فذكر ما يدخله الاحتمال في الحال فإنه يحتمل أن يكون الحال في قوله وذيلها أي في حال مرورها أكسبت هذا الروض الطيب من ذيلها ويحتمل أن يكون شهود الريح لها في حال مرورها على روض الحمى وهذا بعيد والأول أقرب فإنه لو مر بها مشاهدا لها في حال انسحاب ذيلها على الروض لنقل طيب ذيلها لا طيب الروض من ذيلها فدل أنه ما شاهدها نسيم الريح وإذا لم يشاهدها فليس عهده بها قريبا وإنما عهده قريب بالمكان الذي مرت عليه ثم فيه من النقص بقوله أقرب وصفها بالأمر العام في كل طيب إذ المكان الذي يبقى فيه الطيب إنما يكون قريب العهد بالطيب في جلوسه فيه أو مروره عليه وهذا ليس بمخصوص بها بل لو قال إن طيبها في المكان لا يزول بعد أن اكتسبه منها وأنه بها بعيد عهد ومع هذا فالطيب باق لقوة سلطانه لكان أشعر والنسيم ما نقل إليه إلا طيب المكان والروض فكان ينبغي أن يصدق فكان يقول فعهدك اليوم به أقرب يعني بالمكان أو بكل واحد منهما يعني الروض والمكان أو يقول بهم أقرب فكذب بقوله بها أقرب ثم إنه لا يلزم طيب المكان ولا طيب الروض من إلقاء العقد ولا من طيب الذيل قد يكون طيب الروض من الزهر وطيب المكان من أمر آخر مع وجود العقد فيه وانسحاب الذيل على الروض فهو قاصر بكل وجه فهذا شعر لطيف اللفظ مليح وهو بالمعنى ليس بشئ لأن جمال الشعر والكلام أن يجمع بين اللفظ الرائق والمعنى الفائق فيحار الناظر والسامع فلا يدرى اللفظ أحسن أو المعنى أو هما على السواء فإنه إذا نظر إلى كل واحد منهما أذهله الآخر من حسنه وإذا نظر فيهما معا حيراه فما يستحسن مثل هذا الشعر إلا ذو قلب كثيف فإن اللفظ لطيف والمعنى كثيف وإذا كان المعنى قبيحا عند الصحيح النظر لم يحجبه حسن اللفظ عن قبح المعنى فإن مثاله عندي مثال من بحب صورة في غاية الحسن منقوشة في جدار مزينة بأنواع الأصبغة تامة الخلق لا روح لها فإن المعنى للفظ كالروح للصورة هو جمالها على الحقيقة انظر في إعجاز القرآن تجده كما ذكرنا حسن النظم مع توفير المعنى وحسن مساقه وجمع المعاني بعضها إلى بعض في اللفظ الحسن النظم الوجيز مع وجود تكرار القصة الموجب للملل ولا تجد هذا في القرآن فتجد مع تكرار القصة الواحدة مثل قصص الأمم كآدم وموسى ونوح وغيرهم مما تكرر بزيادة لفظ أو نقصه ما تجد إخلالا في المعنى جملة واحدة وسبب ذلك أنه قول حق ما فيه تزوير ولما أتينا على تنبيه ما في قول هذا الشاعر مع كونه لم يخرج عن حقيقة هذا الباب في ذلك فإنه باب النفس بفتح الفاء والشعر من الكلام فهو من باب الأنفاس فثم أنفاس يخرج معها تحقيق المعاني على ما هي عليه في تركيب بعضها مع بعض وثم أنفاس بالعكس فلنرجع إلى النفس الرحماني الذي ظهر عنه حروف الكائنات وكلمات العالم على مراتب مخارج الحروف من نفس المتنفس الإنساني الذي هو أكمل النشآت كلها في العالم وهي ثمانية وعشرون حرفا لكل حرف اسم عينه المقطع مقطع نفسه فأولها الهاء وآخرها الواو ومنها حروف مفردة المخرج كالحرف المستطيل والمنحرف والمكرر ومنها مشتركة في المخرج كحروف الصفير وإن كان بين المشترك تفاوت فهو قريب بعضها من بعض يجد اللافظ الصحيح اللفظ في حال التلفظ بها الفرق بين الحرفين المشتركين كالطاء والتاء والدال فهذه الثلاثة وإن كانت من مخرج واحد فهو على التقارب لا على التحقيق ولهذا اختلفت الألقاب عليه لاختلاف أحوالها في المخارج فيكون للحرف الواحد ألقاب متعددة لدرجات له في النفس عند التكوين منه في مقطع الحرف يمتاز به عن الذي يقاربه في المخرج الذي أوجب له أن يقال فيه إنه مشترك كحرف الصاد غير المعجمة مثلا فإنه من الحروف المهموسة ويشارك الكاف في الهمس وهو من حروف الصفير فهو يشارك الزاي في الصفير وهو من الحروف المطبقة فهو يشارك الطاء في الإطباق وهو من الحروف الرخوة فهو يشارك العين في الرخاوة وهو من الحروف المستعلية فهو يشارك القاف في الاستعلاء فهذا حرف واحد اختلف عليه ألقاب كثيرة لظهوره في مراتب متعددة قابل بذاته كل مرتبة صالح لها فاختلفت الاعتبارات فاختلفت الأسماء كذلك نقول في العقل الأول عقلا لمعنى يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلما يخالف المعنى الذي لأجله نسميه روحا يخالف المعنى الذي لأجله نسميه قلبا والعين واحدة والحكم مختلف لذا تنوعت الأرواح والصور
394
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 394