نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 393
فإنا أشرحها إن شاء الله ثم أعود إلى الكلام على تحقيق النفس في هذا الباب فنقول والله يقول الحق وهو يهدي السبيل قوله يخاطب نسيم الصبا ناشدتك الله أعلم أن الصبا هي ريح القبول والصبا الميل والميل قبول وسميت الصبا قبولا لأن العرب لما أرادت أن تعرف الرياح حتى تجعل لها أسماء تذكرها بها لتعرف فاستقبلت مطلع الشمس فكل ريح هبت عليها من جهة مطلع الشمس استقبلته إذ كان وجهها إلى تلك الجهة فسمتها قبولا وما أتى إليها من الريح عن دبر في حال استقبالها ذلك سمته دبورا وهي الريح الغربية وما أتاها منها في هبوبها عن الجانب الأيمن سمته جنوبا وعن جانب الشمال سمته شمالا وكل ريح بين جهتين من هذه الجهات تهب سمتها نكباء من النكوب وهو العدول أي عدلت عن هذه الأربع الجهات والنسيم أول هبوب الريح والشئ المستلذ إذا فاجأك ابتداء فهو ألذ من استصحابه مثل قوله أحلى من الأمن عند الخائف الوجل ولهذا نعيم الجنان جديد في كل نفس فلذلك ما ناشد إلا النسيم لالتذاذه به وجعله نسيم الصبا لأنها ريح شرقية قبول فأعطته الريح من إخبارها بما جاءت به من طيبها ما يعطيه قبولها لو أقبلت ورؤيتها لو طلعت عليه كما تطلع الشمس لأن الصبا ريح شرقية والشروق طلوع الشمس والإشراق ضوء الشمس وقوله ناشدتك أي طالبتك مقسما بالله والناشد الطالب فهو كالمستفهم وهذا يدلك على قلة معرفته بمحبوبه حيث جعل له أمثالا لقوله من أين هذا النفس الطيب فإنه ثم من له أنفاس طيبة فلو استفرع في شغله بمحبوبه ولم ير مشهودا له سواه ما استفهم إذ كل من استفهم فقد أحضر ذلك في ذهنه فهذا شاعر أحضر الاشتراك في ذهنه فشهد على نفسه بنقصان المعرفة إن كان عارفا ونقصان المحبة إن كان محبا عاشقا فإن أراد من المحبوب كثرة وجوهه وتجليه في أعيان متعددة كالأسماء الإلهية لله مع كونه ذاتا واحدة ومع هذا فله تسعة وتسعون اسما فما فوق ذلك فيريد في أي اسم كان لما هبت هذه الريح وهي نسمة قبول إلهي لطيفة الهبوب أورثت في القلب لطفا ورقة بهبوبها فاستفهم الريح لما جاءت به من الطيب المستلذ فقال هل أودعت برداك عند الضحى * مكان ألقت عقدها زينب اعلم أن هذا البيت من أدل دليل على أنه ليس بمحب وأن هذا القول هو إلى هجاء المحبوب أقرب منه إلى الثناء والمدح وذلك أنه لما جاءته الريح بهذا النفس الطيب أضاف ذلك الطيب إلى ما حصل للمكان الذي ألقت عقدها زينب فيه فهو ثناء على العقد فإنه يريد أن عقدها كان عنبرية ذا طيب فطاب المكان بذلك العقد وما ذكر أن العقد إنما اكتسب الطيب من روائح زينب أو عرفها أو أنفاسها فلو سلك في كلامه إن طيب المكان مما تنفست فيه زينب فلو قال مثل ما قلنا هل أودعت برداك عند الضحى * طيب مكان طيبت زينب أنفاسه من طيب أنفاسها * فطيبها من طيبه أعجب ولنا في هذا المعنى في غير هذا الروي ما الطيب في المسك إلا طيب رياها * والنور في الشمس إلا من محياها الخلد مأوى الحسان الحور تسكنه * وذاتها لجنان الخلد مأواها وأما قوله بعد هذا أو ناسمت رياك روض الحمى * وذيلها من فوقه تسحب فهذا مثل الأول جعل الطيب للروض من ذيل زينب لما سحبته على ذلك المكان طاب من طيب ذيلها وطيب ذيلها من طيب طيبت ثيابها به مثل العقد سواء فما ذكر ما يدل على أن طيب هذه الأماكن من طيب أنفاسها وإذا كان هذا فلا يطيب إلا من ليس بطيب أو ليس له ذلك الطيب ولذا قلنا لو قال النفس الأطيب لا الطيب لكان أشعر وأثبت في المدح ثم قوله للنسيم فهات أتحفني بأخبارها * فعهدك اليوم بها أقرب كلام غير محقق فإن نسيم الريح ما له عهد قريب إلا بالمكان وروض الحمى لا بزينب والطيب للمكان من العقد وللروض من الذيل فلم ينقل هذا النسيم شيئا من طيبها المختص بذاتها ولو كانت مشهودة للنسيم حين هب على المكان والروض
393
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 393