نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 224
ما لله لله وما يقول الكون إنه للعبد من الأمور الوجودية يتركه أيضا لله على حقيقة ما يترك ما هو لله بالإجماع من كل نفس لله فقد استحيا من الله حق الحياء ومن ترك ما لله لله خاصة فقد استحيا من الله ولكن لا حق الحياء وذلك أن النعوت التي نعت الحق بها نفسه من المسمى إخبار التشبيه وآيات التشبيه على ما يزعم علماء الرسوم وأنه تنزل إلهي رحمة بالعباد ولطفا إلهيا وهو عندنا نعت حقيقي لا ينبغي إلا له تعالى وأنه في العبد مستعار كسائر ما يتخلق به من أسمائه فإنه خير الماكرين والله يستهزئ بالمستهزئين من عباده باستهزاء ومكر هو له من حيث لا يشعرون وهو لا يصف نفسه بالحوادث فدل إن هذه النعوت بحكم الأصالة لله وما ظهرت في العبد الإلهي إلا لكونه خلق على الصورة من جميع الوجوه ولما عرف العارفون هذا ورأوا قوله تعالى وإليه يرجع الأمر كله وهذه النعوت الظاهرة في الأكوان التي يعتقد فيها علماء الرسوم أنها حق للعبد من جملة الأمور التي ترجع إلى الله تركوها لله لاستحيائهم من الله حق الحياء وهو من نعوت الاسم المؤمن والمؤمن المصدق بأن هذه النعوت له أزلا وإن لم يظهر حكمها إلا في المحدثات فالحياء يدخل في الصدق ولهذا قال الحياء من الايمان وأما قوله ص في الحياء إنه لا يأتي إلا بخير فهي كلمة صحيحة صادقة فإن البقاء على الأصل لا يأتي إلا بخير فإنها لا تصحبها دعوى فهو قابل لكل نعت إلهي يريد الحق أن ينعته به وما في المحل ضد يرده ولا مقابل يصده فيبقى الحق يفعل ما يريد بغير معارض ولا منازع وأما نعت الحق به فهو تركه العبد يتصف بنعوت الحق ويسلمها له ولا يخجله فيها بل يصدقه ويعلى بها رتبته ولا يكذبه في دعواه فإنه مجلاه فهذا من كون الحق حيا ورد في الخبر أن شيخا يوم القيامة يقول الله له يا عبدي عملت كذا وكذا لأمور لم يكن ينبغي له أن يعملها فيقول يا رب ما فعلت وهو قد فعل فيقول الحق سيروا به إلى الجنة فتقول الملائكة التي أحصت عليه عمله يا ربنا ألست تعلم أنه فعل كذا وكذا فيقول بلي ولكنه لما أنكر استحييت منه أن أكذب شيبته فإذا كان الحق يستحي من العبد أن يكذب شيبته ويوقره فالعبد بهذه الصفة أولى وللحياء درجات عند العارفين وعند الملاميين فدرجاته في العارفين إحدى وخمسون درجة وفي الملاميين عشرون درجة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الواحد ومائة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ( فصل ) لما كان الحياء صفة تنسب إلى الايمان فهو من ذات الايمان كان أثره من ظاهر صورة الإنسان في الوجه إذ الوجه ذات الشئ وعينه وحقيقته فالحياء ينقسم كما ينقسم الايمان إلى بضع وسبعين شعبة أرفعها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والمناسبة بين العالي والدون أن الشرك أذى في طريق التوحيد إماطته الأدلة العقلية والإنباءات الشرعية لما جعلته في طريق التوحيد الشبه المضلة والأهواء الشيطانية وصورة الحياء الذي يدرك الموحد في توحيده ويزيل الأذى من طريق الخلق تلفظه بنفي الإله قبل وصوله إلى إيجابه إلى من يستحقه وهو قوله لا إله والنفي عدم فوقع الحياء من العبد المؤمن حيث بدأ بالعدم وهو عينه لأن المحدث نعته تقدم حال العدم عليه ثم استفاد الوجود الذي هو بمنزلة الإيجاب لما وقع عليه النفي ولم يتمكن للمحدث أن يقول إلا هذا لأنه لا يصح العدم بعد الوجود ولا النفي بعد الإثبات فإنه لو تجلى له الحق ابتداء لم ينفه في الشريك لأنه كان يراه عينه لو كان له وجود وإن لم يكن له وجود فيكون نظر الموحد عند وقوعه على وجود الحق لا يتمكن أن يرى مع هذا الوجود عدما فكان لا يتلفظ بكلمة التوحيد أبدا ولا يرى نفسه أبدا فمن رحمة الله تعالى بالإنسان أنه أشهده أولا نفسه فرأى في نفسه قوى ينبغي أن لا تكون إلا لمن هو إله فلما حقق النظر بعقله ونظر إلى العوارض الطارئة عليه بغير إرادته ومخالفة أغراضه ووجد الافتقار في نفسه علم قطعا إن عين وجوده شبهة وأن هذه الصفات لا ينبغي أن تكون لمن هو إله فنفى تلك الألوهة التي قامت له من نفسه فقال لا إله ثم إنه لما أمعن النظر وجد نفسه قائما بغيره غير مستقل في وجوده فأوجب فقال عند ذلك إلا الله فلما أثبت نظر إلى هذا الذي أثبته فرآه عين صورة ما نفاه مرتبطا به ارتباط الظل بالشخص بنور العلم الذي فتح عينه إلى هذا الإدراك وقد كان نفاه بقوله لا إله فاستحى كيف أطلق لا إله ولهذا جعلته طائفة من أذكار العموم وكان بعض شيوخنا لا يقول في ذكره
224
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 224