نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 113
على هذه الحالة فلا تعرف أنها مظهر له سبحانه وتجد من نفسها أنها تحب نفسها فإن كل شئ مجبول على حب نفسه وما ثم ظاهر إلا هو في عين الممكن فما أحب الله إلا الله والعبد لا يتصف بالحب إذ لا حكم له فيه فإنه ما أحبه منه سواه الظاهر فيه وهو الظاهر فلا تعرف أيضا أنها محبة له فتطلبه وتحب أن تحبه من حيث إنها ناظرة إلى نفسها بعينه فنفس حبها أن تحبه هو بعينه حبها له ولهذا يوصف هذا النور بأنه له أشعة أي أنه شعشعاني لامتداده من الحق إلى عين الممكن ليكون مظهرا له بنصب الهاء لا اسم فاعل فإذا جمع من هذه صفته بين المتضادات في وصفه فذلك هو صاحب الحب الإلهي فإنه يؤدي إلى الحاقة بالعدم عند نفسه كما هو في نفس الأمر فعلامة الحب الإلهي حب جميع الكائنات في كل حضرة معنوية أو حسية أو خيالية أو متخيلة ولكل حضرة عين من اسمه النور تنظر بها إلى اسمه الجميل فيكسوها ذلك النور حلة وجود فكل محب ما أحب سوى نفسه ولهذا وصف الحق نفسه بأنه يحب المظاهر والمظاهر عدم في عين وتعلق المحبة بما ظهر وهو الظاهر فيها فتلك النسبة بين الظاهر والمظاهر هي الحب ومتعلق الحب إنما هو العدم فمتعلقها هنا الدوام والدوام ما وقع فإنه لا نهاية له وما لا نهاية له لا يتصف بالوقوع ولما كان الحب من صفات الحق حيث قال يحبهم ومن صفات الخلق حيث قال ويحبونه اتصف الحب بالعزة لنسبته إلى الحق ووصف الحق به وسرى في الخلق بتلك النسبة العزية فأورثت في المحل ذلة من الطرفين فلهذا ترى المحب يذل تحت عز الحب لا عز المحبوب فإن المحبوب قد يكون مملوكا للمحب مقهورا تحت سلطانه ومع هذا تجده يذل له المحب فعلمنا إن تلك عزة الحب لا عزة المحبوب قال أمير المؤمنين هارون الرشيد في محبوباته ملك الثلاث الآنسات عناني * وحللن من قلبي بكل مكان ما لي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا أن سلطان الهوى * وبه قوين أعز من سلطاني فأضاف القوة إلى الهوى بقوله سلطان الهوى يقول الله في غير ما موضع من كتابه متلطفا بعباده يا عبادي اشتقت إليكم وأنا إليكم أشد شوقا ويخاطبهم بنزول من لطف خفي وهذا الخطاب كله لا يتمكن أن يكون منه إلا من كونه محبا ومثل ذلك يصدر من المحبين له تعالى فالمحب في حكم الحب لا في حكم المحبوب ومن هي صفته عينه فعينه تحكم عليه لا أمر زائد فلا نقص غير أن أثره في المخلوقين التلاشي عند استحكامه لأنه يقبل التلاشي فلهذا يتنوع العالم في الصور فيكون في صورة فإذا أفرط فيها الحب من حيث لا يعلم وحصل التجلي من حيث لا يظهر تلاشت الصورة وظهرت في العين صورة أخرى وهي أيضا مثل الأولى في الحكم راجعة إليه ولا يزال الأمر كذلك دائما لا ينقطع ومن هنا غلط من يقول إن العالم لا بد له من التلاشي ومن نهاية علم الله في العالم حيث وصف نفسه بالإحاطة في علمه بهم ثم إنه من كرمه سبحانه إن جعل هذه الحقيقة سارية في كل عين ممكن متصف بالوجود وقرن معها اللذة التي لا لذة فوقها فأحب العالم بعضه بعضا حب تقييد من حقيقة حب مطلق فقيل فلان أحب فلانا وفلان أحب أمرا ما وليس إلا ظهور حق في عين ما أحب ظهور حق في عين أخرى كان ما كان فمحب الله لا ينكر على محب حب من أحب فإنه لا يرى محبا إلا الله في مظهر ما ومن ليس له هذا الحب الإلهي فهو ينكر على من يحب ثم إنه ثم دقيقة من كون من قال إنه يستحيل أن يحب أحد الله تعالى فإن الحق لا يمكن أن يضاف إليه ولا إلى ما يكون منه نسبة عدم أصلا والحب متعلقة العدم فلا حب يتعلق بالله من مخلوق لكن حب الله يتعلق بالمخلوق لأن المخلوق معدوم فالمخلوق محبوب لله أبدا دائما وما دام الحب لا يتصور معه وجود المخلوق فالمخلوق لا يوجد أبدا فأعطت هذه الحقيقة أن يكون المخلوق مظهرا للحق لا ظاهرا فمن أحب شخصا بالحب الإلهي فعلى هذا الحد يكون حبه إياه فلا يتقيد بالخيال ولا بجمال ما فإنها كلها موجودة له فلا يتعلق الحب بها فقد بان الفرقان بين المراتب الثلاثة في الحب واعلم أن الخيال حق كله والتخيل منه حق ومنه باطل ( السؤال السابع عشر ومائة ) ما كأس الحب الجواب القلب من المحب لا عقله ولا حسه فإن القلب يتقلب من حال إلى حال كما إن الله الذي هو المحبوب كل يوم هو في شأن فيتنوع المحب في تعلق حبه بتنوع المحبوب في أفعاله كالكأس الزجاجي الأبيض الصافي يتنوع بحسب تنوع المائع الحال فيه فلون المحب لون محبوبه وليس هذا إلا للقلب
113
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 113