نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 112
كان يصيح ليلى ليلى في كل ما يكلم به فإنه كان يتخيل أنه فقيد لها ولم يكن وإنما قرب الصورة المتخيلة أفرطت في القرب فلم يشاهدها فكان يطلبها طلب الفاقد ألا تراه حين جاءته من خارج فلم تطابق صورتها الظاهرة الصورة الباطنة المتخيلة التي مسكها في خياله منها فرآها كأنها مزاحمة لتلك الصورة فخاف فقدها فقال لها إليك عني فإن حبك شغلني عنك يريد أن تلك الصورة هي عين الحب فبقي يطلبها ليلى ليلى فإذا تقوت تلك الصورة في خيال المحب أثرت في المحبوب تأثير الخيال في الحس مثل الذي يتوهم السقوط فيسقط أو يتوهم أمرا ما مفزعا فيتغير له المزاج فتتغير صورة حسه كذلك هذه الصورة إذا تقوت أثرت في المحبوب فقيدته وصيرته أشد طلبا لها منها له فإن النفوس قد جبلت على حب الرياسة والمحب عبد مملوك بحبه لهذا المحبوب فالمحبوب لا يكون له رياسة إلا بوجود هذا المحب فيعشقه على قدر عشقه رياسته وإنما يتيه عليه للطمأنينة الحاصلة في نفس المحبوب بأن المحب لا يصبر عنه وهو طالب إياه فتأخذه العزة ظاهرا وهو الطالب له باطنا ولا يرى في الوجود أحدا مثله لكونه ملكه فالمحب لا يعلل فعل المحبوب لأن التعليل من صفات العقل ولا عقل للمحب يقول بعضهم ولا خير في حب يدبر بالعقل وأنشدني أبو العباس المقراني وكان من المحبين لنفسه الحب أملك للنفوس من العقل والمحبوب يعلل أفعال المحب بأحسن التعليل لأنه ملكه فيريد أن يظهر شرفه وعلوه حتى يعلو المحبوب إذ هو المالك وهو يحب الثناء على نفسه وهذا كله فعل الحب فعل في المحبوب ما ذكرناه وفعل في المحب ما ذكرناه وهذا من أعجب الأشياء أن المعنى أوجب حكمه لمن لم يقم به وهو المحبوب فإنه أثر فيه حب المحب كما أثر في المحب كمسألة المعتزلي إن الله مريد بإرادة لم تقم بمحل بل خلقها إما في محل أو في لا محل وأراد بها وهذا خلاف المعقول إيجاب المعاني أحكامها لمن لم تقم به وكذلك الحب لا يجتمع مع العقل في محل واحد فلا بد أن يكون حكم الحب يناقض حكم العقل فالعقل للنطق والتهيام للخرس ثم إنه من شأن الحب الطبيعي أن تكون الصورة التي حصلت في خيال المحب على مقدار المحل الحاصلة فيه بحيث لا يفضل عنها منه ما يقبل به شيئا أصلا وإن لم يكن كذلك فما هي صورة الحب وبهذا تخالف صورة الحب سائر الصور كما كانت صورة العالم على قدر الحضرة الإلهية الأسمائية فما في الحضرة الإلهية اسم إلهي إلا وهو على قدر أثره في نش ء العالم من غير زيادة ولا نقصان ولهذا كان إيجاد العالم عن حب وقد ورد ما يؤيد هذا في السنة وهو قوله كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني فأخبر أن الحب كان سبب إيجاد العالم فطابق الأسماء الإلهية ولولا تعشق النفس بالجسم ما تألم عند مفارقته مع كونه ضدا له فجمع بين المقادير والأحوال لوجود النسب والأشكال فالنسب أصل في وجود الأنساب وإن كانت الأرواح تخالف الأشباح والمعاني تخالف الكلمات والحروف ولكن تدل الكلمة على المعنى بحكم المطابقة بحيث لو تجسد المعنى لما زاد على كمية الكلمة ومثل هذا النوع يسمى حبا وأما الحب الروحاني فخارج عن هذا الحد وبعيد عن المقدار والشكل وذلك أن القوي الروحانية لها التفات نسبي فمتى عمت النسب في الالتفاتات بين المحب والمحبوب عن نظر أو سماع أو علم كان ذلك الحب فإن نقص ولم تستوف النسب لم يكن حبا ومعنى النسب أن الأرواح التي من شأنها أن تهب وتعطي متوجهة على الأرواح التي من شأنها أن تأخذ وتمسك وتلك تتألم بعدم القبول وهذه تتألم بعدم الفيض وإن كان لا ينعدم إلا أن كونه لم تكمل شروط الاستعداد والزمان سمي ذلك الروح القابل عدم فيض وليس بصحيح فكل واحد من الروحين مستفرغ الطاقة في حب الآخر فمثل هذا الحب إذا تمكن من الحبيبين لم يشك المحب فرقة محبوبه لأنه ليس من عالم الأجسام ولا الأجساد فتقع المفارقة بين الشخصين أو يؤثر فيه القرب المفرط كما فعل في الحب الطبيعي فالمعاني لا تتقيد ولا تتحيز ولا يتخيلها إلا ناقص الفطرة فإنه يصور ما ليس بصورة وهذا هو حب العارفين الذين يمتازون به عن العوام أصحاب الاتحاد فهذا محب أشبه محبوبه في الافتقار لا في الحال والمقدار ولهذا يعرف المحب قدر المحبوب من حيث ما هو محبوب وأما الحب الإلهي فمن اسمه الجميل والنور فيتقدم النور إلى أعيان الممكنات فينفر عنها ظلمة نظرها إلى نفسها وإمكانها فيحدث لها بصرا هو بصره إذ لا يرى إلا به فيتجلى لتلك العين بالاسم الجميل فتتعشق به فيصير عين ذلك الممكن مظهرا له فيبطن العين من الممكن فيه وتفني عن نفسها فلا تعرف أنها محبة له سبحانه أو تفني عنه بنفسها مع كونها
112
نام کتاب : الفتوحات المكية نویسنده : إبن عربي جلد : 2 صفحه : 112