خلد الله ملكه الشيخ شمس الدين محمد بن ناهض الفقاعي في شهر شوال سنة ثمانية عشر وثمانمائة وقد صنف سيرة مشتملة على نظم ونثر للسلطان الملك المؤيد ولم يكن للمشار إليه إلمام بتعاطي الأدب في مبادي عمره فسألني أن أكتب له عليها تقريظا قبل تقديمها فامتنعت من ذلك مدة فدخل علي بمن لا تمكن مخالفته فحسنت له كتابة شيخنا القاضي بدر الدين بن الدماميني أولا فتوجه إليه فالتزم بالأيمان المغلظة أنه لا يكتب له إلا إذا كتبت له فلزمتني الكتابة من وجوه فكتبت له هذا التقريظ الذي صلّت البلغاء خلفه فإنه للمحاسن جامع وأوضحت طريقه فضاع نشره الذي كان من غير تورية ضائع وهو وقفت على قواعد الأدب من هذه السيرة الناهضية فوجدت مطرب لحنها قد أعرب عن التنكيت لأهل النكتب الأدبية ونويت معها سلوك الأدب لاحتشامها بالصفات المؤيدية فإنها ما قوبلت بأدب إلا تقوت بسلطانها ولا جارتها سيرة مطولة إلا كانت قاصرة عن الجري في ميدانها ولا ذكرت التواريخ المقدمة معها إلا تأخرت وكبت خلفها ولا ناظرها ذو قصص إلا ثقل عليه أمرها ونظر إلى قصصه فاستخفها ولا بالغ أهل التقاريض في تقاريضهم إلا وكانت دونها واستحق لها هذا الوصف في ذمة أهل الأدب فاستوفت منه ديونها فلو نظر الصفدي إلى هذا التاريخ وراجع النظر لسلخ جلده أو تصفحه الكتبي لعدد على تاريخه وما عده أو كاثره ابن كثير لرأى نقصه متزايدا عنده أو عاصره ابن خلكان لقال لم أمازج شراب الفقاعي بخلي فإن عنده حمضة وبرده أو لمحه الذهبي وموه بتاريخه لقيل له هذا ما ينطلي معه وعلم أن خلاصة الذهب تظهر بالسبك فهضم من جانبه ووضعه ولو أدركه البديع لرمى بديعه وعلم أنه بدعة أو لحقه الوهراني لرآه في المنان إن حصل له بعد مطالعته هجعة نسب هذا التأليف إلى الدولة المؤيدية فصار له على كل أهل الأرض صوله فلو ناظره مؤلف بمجلد لقلنا هذا جراب الدولة تحمس في شعره وتغالى فألقى لنا في سوق الكلام رخصه ولو زايده أبو تمام لتحقق عجزه وأرانا بنفسه نقصه نعم هذه الأشعار التي ما زاحمها شاعر بديوانه إلا تلت عليه بعد الزلزلة الواقعة وتقوم القيامة وهي إلى الحشر مرمية على القارعة ولقد أقام أوزانها بالقسط ولكن رجحها على القيراطي بفضله ونقص عنها الراجح الحلي لأن فيها زيادة على مثله فيا له من شعر قصر عن بحره الطويل كل معارض وكيف لا وناظمه ذو همة علية وناهض وابن ناهض وقد وقف ابن حجة وقوف معترف أن عنده في نظمه وقفه وسيكتب المقر البدري على اعترافه أنه قاضي الأدب وإمامه الذي صلت البلغاء خلفه وفتحت لعلماء الأدب هذا الباب وأرجو أن يكون فتحا مبينا فإن رضوني براعة بحسن الختام وإذا حصل العلل من هذا النهر روينا نعم وقفت وغير خاف عن علومهم الكريمة أن شرط الواقف ما يهمل وامتثلت مراسيم المصنف مع سلوك الأدب الذي يذوقه من له فيه أعذب منهل والله يجمعنا على هذا الشرب لتحلو موارده بالموارده ولا يحجبنا عن الكلام الذي يحسن السكوت عليه وتتم به الفائدة وكتب بعد ذلك سيدنا القاضي بدر الدين المشار إليه وقفت أنا ولا أكاد أثبت نظري لشدة الخجل وسألت المهلة في وصف هذه الألفاظ فإذا هي قد جاءت على عجل فقلت أما المقام الشريف الممدوح عز نصره ولا زالت تفخر بدولته القاهرة مصره فملك مد على الرعية جناح العدل وحمى بيضة الإسلام وتواردت على تجريح عداته وتعديل صفاته السنة السيوف والأقلام وسار على أقوم طريق فأذكرنا السيرة العمريه وطلع في سماء الكواكب كالبدر فقل ما شئت في الطلعة القمرية ودعا إلى نسك طاعته فلبته في ذلك الموقف النفوس ونادى على أعدائه منادي الحتف فأرانا كيف يكون الترخيم بحذف الرؤس ناهيك بها مناقب سرت القلوب وسارت ونافست النجوم جواهر الألفاظ في مدحها فغارت وشملت البرايا بالمن والمنح وقابلت المسئ بالعفو والصفح حماها الله تعالى من الغير وجعل صفاتها الشريفة جمال الكتب والسير وأما منشئ السيرة فماذا أقول وقد