فالمطابقة والتورية وتسمية النوع البديعي اجتمعت هنا في قافية هذا البيت الذي علا بطباقه وتفيأ أهل البديع بظل رواقه ذكر النزاهة نزهت لفظي عن فحش وقلت هم * عرب وفي حيهم يا غربة الذمم النزاهة ما نظمها أحد في بديعيته إلا صفي الدين الحلي وقد تقدم القول أنه ذكر عن بديعيته أنها نتيجة سبعين كتابا في هذا الفن وهو نوع غريب تجول سوابق الذوق السليم في حلبة ميدانه وتغرد سواجع الحشمة على بديع أفنانه لأنه هجو في الأصل ولكنه عبارة عن الإتيان بألفاظ فيها معنى الهجو الذي إذا سمعته العذراء في خدرها لا تنفر منه وهذه عبارة عمرو بن العلاء لما سئل عن أحسن الهجو وقد وقع من النزاهة في الكتاب العزيز عجائب منها قوله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون فإن ألفاظ الذم المخبر عنها في كلام الآية أتت منزهة عما يقع في غير هذا القسم من الفحش في الهجاء والمرض هنا عبارة عن إبطان الكفر ومن النزاهة البديعية في النظم قول أبي تمام بني فعيلة ما بالي وبالكم * وفي البلاد مناديح ومضطرب لحاجة لي فيكم ليس يشبهها * إلا لجاجتكم في أنكم عرب ومن غريب هذا النوع قول معبد بن الحسين بن جبارة لرجل كان يدعو قوما إلى سماع قينة له ثم انكشف له بعد هذا أنهم كانوا ينالون منها القبيح ألم أقل لك إن القوم بغيتهم * في ربة العود لا في رنة العود لا تأسفن على الشاة التي عقرت * فأنت غادرتها في مسرح السيد فانظر إلى مصاحبة هذه المعاني ونزاهة ألفاظها عن الفحش ومن ذلك قول جرير فغض الطرف إنك من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا وقالوا أحسن ما وقع في هذا الباب قوله أيضا لو أن تغلب جمعت أنسابها * يوم التفاخر لم تزن مثقالا فانظر إلى هذا الهجو المنكي كيف بالغ في تنزيه ألفاظه عن الفحش وفيه معنى الهزل الذي يراد به الجد وهو غاية في هذا النوع وبيت الشيخ صفي الدين الحلي حسبي بذكرك لي ذما ومنقصة * فيما نطقت فلا تنقص ولا تذم وقال إنها بالذال المعجمة فإن جل قصده الذم هنا والذي أقوله إن هذا البيت شموس إيضاحه آفلة في غيوم العقادة وليته استضاء بما قاله جرير ومشى على سنته والعميان لم ينظموا هذا النوع وبيت الشيخ عز الدين نظمه في بديعيته لأجل معارضة الصفي وقال في بيته يخاطب العاذل لقد تفيهقت بالتشديق في عذلي * كيف النزاهة عن ذا الأشدق الخصم قد تقرر أن النزاهة هجو ولكن شرطوا أن لا ينظم هجوها إلا بألفاظ لا تنفر منها العذراء في خدرها والذي أقوله وأنا أستغفر الله إن ألفاظ عز الدين في بيته ينفر منها الجان فكيف حال العذراء وحاصل القضية أنه نزه ألفاظه عن النزاهة ولم يتفيهق ولم يتشدق غيره وما أحقه بقول القائل وما مثله إلا كفارغ حمص * خلي من المعنى ولكن يفرقع وبيت بديعيتي نزهت لفظي عن فحش وقلت هم * عرب وفي حيهم يا غربة الذمم وحشمة النزاهة لا تخفى على أهل الذوق السليم والعلم مع ما فيها من عدم التكليف في الميل عن التعسف والذي أقوله إن بيتي في هذا الباب جر أذيال البلاغة مع جرير وشاركه في العذوبة والتباري