وقال زكي الدين بن أبي الأصبع أحسن شعر افتن فيه صاحبه بالجمع بين التعزية والتهنئة قول أبي نواس للعباس بن الفضل بن الربيع يعزيه بالرشيد ويهنيه بالأمين حيث قال تعز أبا العباس عن خير هالك * بأكرم حي كان أو هو كائن حوادث أيام تدور صروفها * لهن مساو مرة ومحاسن وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى * فلا أنت مغبون ولا الموت غابن ولعمري إن جمال الدين بن نباتة رحمه الله قال في تعزية الملك المؤيد صاحب حماة وتهنئة ولده الأفضل بالسلطنة بعد أبيه ما هو أحسن من قول أبي نواس الذي استحسنه ابن أبي الأصبع وقول من تقدمه وإن تأخر ابن نباتة فقد تقدم بنباته فإنه استطرب في قصيدة مطولة بالجمع بين التهنئة والتعزية إلى آخرها وأتى بمعان منها سلامة الاختراع والذي يؤدي إليه اجتهاد ذوقي إن هذه القصيدة من العجائب في هذا النوع وأوردت مطلعها في براعة الاستهلال لكن تعين إيراده هنا لندخل منه إلى بيوت القصيدة المشتملة على هذا النوع ليتأيد ما أشرت إليه من غرابة أسلوبها وهو قوله رحمه الله تعالى هناء محا ذاك العزاء المقدما * فما عبس المحزون حتى تبسما ثغور ابتسام في ثغور مدامع * شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما نرد مجاري الدمع والبشر واضح * كوابل غيث في ضحى الشمس قد همى سقى الغيث عنا تربة الملك الذي * عهدنا سجاياه أعز وأكرما ودامت يد النعمى على الملك الذي * تدانت به الدنيا وعز به الحمى مليكان هذا قد هوى لضريحه * برغمي وهذا للأسرة قد سما وروضة أصل شاذوي تكافأت * فغصن ذوى منها وآخر قد نما فقدنا لأعناق البرية مالكا * وسمنا لأنواع الجميل متمما كأن ديار الملك غاب إذا انقضى * به ضيغم أنشأ به الدهر ضيغما كأن عماد الدين غير مقوض * وقد قمت يا أزكى الأنام وأحزما فإن يك من أيوب نجم قد انقضى * فقد أطلعت أوصافك الغر أنجما وإن تك أيام المؤيد قد مضت * فقد جددت علياك وقتا وموسما هو الغيث ولى بالثناء مشيعا * وأبقاك بحرا بالمواهب منعما وكانت وفاة الملك المؤيد في شهر المحرم فقال ولم يخرج عما نحن فيه بك انبسطت فينا التهاني وأنشأت * ربيع الهنا حتى نسينا المحرما والجمع بين التهنئة والتعزية في نوع الافتنان أصعب مسلكا من الجمع بين النسيب والحماسة لشدة التناقض بينهما ومن أظرف ما رأيت في هذا النوع أن ابن حجاج جمع في الافتنان بين التعزية والمدح المؤدي إلى التهكم بقوله في تعزية بعض الرؤساء بأبيه في بيت واحد وهو أبوك قد جمل أهل الثرى * فجمل الله به المقبرة وأما الغزل المخمس فكثير في نظم الفحول وغيرهم وما أحلى قول مهيار الديلمي في بيت واحد وأتعب من حاولت يا قلب وصله * حبيب سنان السمهري رقيبه وممن أتحف الأذواق بحلاوة هذا النوع وجمع فيه بين النسيب والحماسة القاضي الأرجاني رحمه الله تعالى في قوله نزل الأحبة ساحة الأعداء * فغدا لقاء منهم بلقاء وما أحلى ما قال بعده كم طعنة نجلاء تعرض بالحمى * من دون نظرة مقل نجلاء فتحدثنا سرا فحول قبابها * سمر الرماح يملن للإصغاء