عبدون وكنت أود أن يكون شيخنا رحمه الله حيا ويراني قد عززتهما بثالث وهو أبا معاذ أخا الخنساء كنت لهم * يا معنوي فهدوني بجورهم أبو معاذ اسمه جبل وأخو الخنساء اسمه صخر فظهر له من كنايات الألفاظ الظاهرة أيضا جناسان مضمران في صدر البيت وهما جبل وجبل وصخر وصخر وبالنسبة إلى الجبل في الركن الواحد يحسن قولي فهدوني بجورهم وقد أظهرت محاسن هذا الجناس المضمر وكشفت عن جماله الباهر سطور الأشكال ليتمتع به صاحب الذوق السليم فإن فحول المتأخرين وقفوا عن المجاراة في حلبته ولم يتعلق أحد منهم إلا بأذيال الضرب الثاني وهو جناس الإشارة ويأتي الكلام عليه ومن غريب ما يحكى أن الشيخ صلاح الدين الصفدي قال في شرح لامية العجم وفي كتابه المسمى بجنان الجناس لما اعترضه الجناس المعنوي قال هذا النوع عندي باطل ولم يتيسر له منه نظم بيت واحد مع كثرة تهافته على الجناس وأنواعه والذي يظهر لي أنه عجز عن نظمه فإنه قال في غضون ذلك وقد استخرجت من شعر أبي الطيب المتنبي من الجناس المعنوي قوله حاولن تقريبي وخفن مراقبا * فوضعن أيديهن فوق ترائبا وهذا دليل على أنه لم يفهمه انتهى الكلام على الجناس المعنوي الذي يضمر فيه الركنان وما أخرت بيت الشيخ عز الدين الموصلي ونثرت نظم الترتيب الذي تقدم إلا لتنحيه عن نظم الجناس المعنوي المضمر الركنين وميله إلى جناس الإشارة لسهولة مأخذه فلم يبق لبيته طاقة على المناظرة لتحوله عن النوع الذي عارض فيه الشيخ صفي الدين والظاهر أنه قنع بقول القائل إذا منعتك أشجار المعالي * جناها الغض فاقنع بالشميم والضرب الثاني من المعنوي وهو جناس الإشارة والكناية هو غير الأول وسبب ورود هذا النوع في النظم أن الشاعر يقصد المجانسة في بيته بين الركنين من الجناس فلا يوافقه الوزن على إبرازهما فيضمر الواحد ويعدل بقوته إلى مرادف فيه كناية تدل على الركن المضمر فإن لم يتفق له مرادف الركن المضمر يأتي بلفظة فيها كناية لطيفة تدل عليه وهذا لا يتفق في الكلام المنثور والذي يدل عليه المرادف قول امرأة من عقيل وقد أراد قومها الرحيل عن بني ثهلان وتوجه منهم جماعة يحضرون الإبل وهو فما مكثنا دام الجمال عليكما * بثهلان إلا أن تشد الأباعر وأرادت أن تجانس بين الجمال والجمال فلم يساعدها الوزن ولا القافية فعدلت إلى مرادفة الجمال بالأباعر والذي يدل على مضمره اللفظة الظاهرة بالكناية اللطيفة قول دعبل في امرأته سلمى إني أحبك حبا لو تضمنه * سلمى سميك ذاك الشاهق الراسي فالكناية اللطيفة في سميك لأنها أشعرت أن الركن المضمر في سلمى يظهر منه جناس الإشارة بين الركن الظاهر والمضمر في سلمى وسلمى الذي هو الجبل ومثله قول الآخر وتحت البراقع مقلوبها * تدب على ورد تلك الخدود فكنى عن العقارب بمقلوب البراقع ولا شك أن بين اللفظ المصرح به والمكنى عنه تجانسا ومثله قول الآخر يهجو مغنيا ثقيلا قال غنيت ثقيلا * قلت قد غنيت نفسك ومن الكنايات بالمرادف قول شرف الدين بن الحلاوي وهو غاية في هذا النوع وبدت نظائر ثغره في قرطه * فتشابها متخالفين فأشكلا فرأيت تحت البدر سالفة الطلا * ورأيت فوق الدر مسكرة الطلا أراد أن يجانس بين سالفة الطلا وسلافة الطلا فلم يساعده الوزن فعدل بقوته إلى المسكرة وهي مرادفة السلافة وقد تقدم أن الشيخ عز الدين الموصلي لم ينظم من المعنوي إلا هذا الضرب وهو