نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 216
منهما للآخر وأما إذا كان الصبر جزء مسمى الشكر والشكر جزء مسمى الصبر وكل منهما حقيقة مركبة من الأمرين معاً كما تقدم بيانه فالتفضيل بينهما لا يصح إلا إذا جرد أحدهما عن الآخر وذلك فرض ذهني يقدره الذهن ولا يوجد في الخارج . ولكن يصح على وجه وهو أن العبد قد يغلب صبره على شكره الذي هو قدر زائد على مجرد الصبر من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة فلا يبقى فيه اتساع لغير صبر النفس على ما هو فيه القوة الواردة وضيق المحل فتنصرف قواه كلها إلى كف النفس وحبسها لله وقد يغلب شكره بالأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة على قوة كفه لنفسه وحبسها لله فتكون قوة إرادته وعمله أقوى من قوة امتناعه وحبس نفسه . واعتبر هذا بشخصين : أحدهما حاكم على نفسه متمكن من حبسها عن الشهوات قليل التشكي للمصيبات وذلك جل عمله وآخر كثير الاعطاء لفعل الخير القاصر والمتعدي سمح النفس ببذل المروف وآخر ضعيف النفس عن قوة الصبر . فللنفس قوتان : قوة الصبر والكف وامساك النفس وقوة البذل وفعل الخير والاقدام على فعل ما تكمل به وكمالها باجتماع هاتين القوتين فيها . والناس في ذلك أربع طبقات : فأعلاهم من اجتمعت له القوتان وسفلتهم من عدم القوتين ومنهم من قوة صبره أكمل من قوة فعله وبذله ومنهم من هو بالعكس في ذلك . فإذا فضل الشكر على الصبر فإما أن يكون باعتبار ترجيح مقام على مقام واما أن يكون باعتبار تجريد كل من الأمرين عن الآخر وقطع النظر عن اعتباره وتمام ايضاح هذا بمسألة الغنى الشاكر والفقير الصابر فلنذكر لها باباً يخصها ويكشف عن الصواب فيها .
216
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 216