نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 208
فان بعض الكفار قد يريد الآخرة وبعض المسلمين قد لا يكون مراده إلا الدنيا والله تعالى قد علق السعادة بإرادة الآخرة والشقاوة بإرادة الدنيا فإذا تجردت الإرادتان تجرد موجبهما ومقتضاهما وان اجتمعتا فحكم اجتماعهما حكم اجتماع البر والفجور والطاعة والمعصية والايمان والشرك في العبد : وقد قال تعالى لخير الخلق بعد الرسل : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) ( آل عمران : 152 ) وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ولم يكن فيهم منافق ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ما شعرت أن أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ونزلت هذه الآية والذين أوردوا في هذه الآية هم الذين أخلوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه وهم من خيار المسلمين ولكن هذه إرادة عارضية حملتهم على ترك المركز والاقبال على كسب الغنائم بخلاف من كان مراده بعمله الدنيا وعاجلها فهذه الإرادة لون وإرادة هؤلاء لون . وهاهنا أمر يجب التنبيه له وهو أنه لا يمكن إرادة الدنيا وعاجلها بأعمال البر دون الآخرة مع الايمان بالله ورسوله ولقائه أبدا فان الايمان بالله والدار الآخرة يستلزم إرادة العبد لرحمة الله والدار الآخرة بأعماله فحيث كان مراده بها الدنيا فهذا لا يجامع الايمان أبداً وان جامع الاقرار والعلم فالإيمان وراء ذلك والاقرار والمعرفة حاصلان لمن شهد الله سبحانه له بالكفر مع هذه المعرفة كفرعون وثمود واليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوه كما عرفوا أبناءهم وهم من أكفر الخلق فإرادة الدنيا وعاجلها بالأعمال قد تجامع هذه المعرفة والعلم ولكن الإيمان الذي هو وراء ذلك لا بد أن يريد صاحبه بأعماله الله والدار الآخرة . . والله المستعان . [ فصل ] والمقصود أنه سبحانه جعل الغنى والفقر ابتلاء وامتحانا للشكر والصبر والصدق والكذب والاخلاص والشرك قال تعالى : ( ليبلوكم فيما
208
نام کتاب : عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 208