الجنان : ( حبّ الوطن من الايمان ) . وكان رحمه الله بعيدا عن التعصّب ، كارها للتملَّق والرّياء ، كثير الحياء ، لطيف المعاشرة ، حسن المحاضرة ، يسترضي جليسه شابا كان أو كهلا أو شيخا ، ويخاطب كلا بما يناسب ذوقه وأخلاقه ، وكان يبذل جهده في إصلاح شؤون الناس والمصالح العامة ، متخذا الصدق شعارا والنشاط عمادا ودثارا ، وكان مجلسه الشريف ومحفله المنيف مجلس أدب وأخلاق ، وفقه وأصول ، وحكمة وكلام ، وتفسير وحديث ، ورجال وتاريخ وأنساب ، ووعظ وإرشاد وتذكير ، وفنون شتى كدائرة معارف كبرى ، فكان في مجلسه السامي ينتفع العالم والعامي ، والمهتدي والمتوسط والمنتهي ، وكان مع ذلك رفيع الجناب ، محبوبا عند الأصحاب ، وقورا محترما عند الأنام ، خصوصا الملوك والأمراء والحكام ، لم يجالسه أحد إلَّا خرج وفي نفسه انعطاف إليه ، وفي قلبه احترام له ، فكان حيث ما ذكر اسمه السامي قرن بالمدح والثناء والترحّم والدعاء ، وكنت من أشدّ الناس وأقربهم لديه ، وأكثرهم اتصالا به وملازمة له ، بحيث ما كان يحب مفارقتي ولا أحب مفارقته ، ولكن المنية فرّقت بينه وبيني ، ولنعم ما قيل :
< شعر > ان لم يكن لك في نقد الرجال يد فانظر إلى الموت كيف الموت ينتقد يدور في الأرض حول الناس ملتمسا كريم قوم ولا يرضى الذي يجد < / شعر > وكان رحمه الله قويّ الحافظة ، عظيم الذاكرة ، ولد رحمه الله - كما شافهني نفسه طاب رمسه - سنة أربع وتسعين ومائتين وألف من الهجرة ، وحكى لنا : أن الأديب السيد موسى الطالقاني النجفي رحمه الله أرّخ ولادته بقوله :
< شعر > وقد بشر العلم مذ أرّخوا ستثنى وسائده للحسين < / شعر > وتوفي رحمه الله في كرند يوم الإثنين ثامن عشر شهر ذي القعدة الحرام سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة ، ثم نقلت جثته الشريفة من كرند بواسطة السيّارة إلى بغداد ، ومنها إلى النجف ، ودفن في مقبرة وادي السلام في محلّ أعدّه لنفسه قبل حلول رمسه ، وقد شيّع تشييعا عظيما في بغداد والنجف ، وأغلقت الأسواق بالنجف ، وخرج أهالي النجف بتمام طبقاتهم لاستقبال جثمانه ، فجلّ خطبه وعظم مصابه وعمّ الحزن تمام المسلمين في تمام الأمصار ، وأقيمت له المآتم في تمام البلاد ، وتسابق العلماء والخطباء

415