نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 282
للحكم بالنص المحيط بمجاري الحكم . الاجتهاد الثاني : في تنقيح مناط الحكم : وهذا أيضا يقربه أكثر منكري القياس ، مثاله : أن يضيف الشارع الحكم إلى سبب وينوطه به وتقترن به أوصاف لا مدخل لها في الإضافة ، فيجب حذفها عن درجة الاعتبار حتى يتسع الحكم ، مثاله : إيجاب العتق على الأعرابي حيث أفطر في رمضان بالوقاع مع أهله ، فإنا نلحق به أعرابيا آخر بقوله عليه السلام : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة أو بالاجماع على أن التكليف يعم الاشخاص ، ولكنا نلحق التركي والعجمي به ، لأنا نعلم أن مناط الحكم وقاع مكلف لا وقاع أعرابي ، ونلحق به من أفطر في رمضان آخر ، لأنا نعلم أن المناط هتك حرمة رمضان لا حرمة ذلك الرمضان ، بل نلحق به يوما آخر من ذلك الرمضان ، ولو وطئ أمته أوجبنا عليه الكفارة ، لأنا نعلم أن كون الموطوءة منكوحة لا مدخل له في هذا الحكم بل يلحق به الزنا ، لأنه أشد في هتك الحرمة ، إلا أن هذه إلحاقات معلومة تنبئ على تنقيح مناط الحكم بحذف ما علم بعادة الشرع في موارده ومصادره في أحكامه أنه لا مدخل له في التأثير ، وقد يكون حذف بعض الأوصاف مظنونا فينقدح الخلاف فيه ، كإيجاب الكفارة بالاكل والشرب إذ يمكن أن يقال : مناط الكفارة كونه مفسدا للصوم المحترم والجماع آلة الافساد ، كما أن مناط القصاص في القتل بالسيف كونه مزهقا روحا محترمة ، والسيف آلة فيلحق به السكين والرمح والمثقل ، فكذلك الطعام والشراب آلة ، ويمكن أن يقال : الجماع مما لا تنزجر النفس عنه عند هيجان شهوته لمجرد وازع الدين ، فيحتاج فيه إلى كفارة وازعة ، بخلاف الاكل ، وهذا محتمل ، والمقصود أن هذا تنقيح المناط بعد أن عرف المناط بالنص لا بالاستنباط ، ولذلك أقر به أكثر منكري القياس ، بل قال أبو حنيفة رحمه الله : لا قياس في الكفارات وأثبت هذا النمط من التصرف وسماه استدلالا ، فمن جحد هذا الجنس من منكري القياس وأصحاب الظاهر لم يخف فساد كلامه . الاجتهاد الثالث في تخريج مناط الحكم واستنباطه مثاله : أن يحكم بتحريم في محل ولا يذكر إلا الحكم والمحل ، ولا يتعرض لمناط الحكم وعلته ، كتحريم شرب الخمر والربا في البر ، فنحن نستنبط المناط بالرأي والنظر فنقول : حرمه لكونه مسكرا ، وهو العلة ، ونقيس عليه النبيذ ، وحرم الربا في البر لكونه مطعوما ونقيس عليه الأرز والزبيب ، ويوجب العشر في البر فنقول : أوجبه لكونه قوتا . فنلحق به الأقوات ، أو لكونه نبات الأرض وفائدتها ، فنلحق به الخضراوات وأنواع النبات ، فهذا هو الاجتهاد القياسي الذي عظم الخلاف فيه وأنكره أهل الظاهر وطائفة من معتزلة بغداد وجميع الشيعة ، والعلة المستنبطة أيضا عندنا لا يجوز التحكم بها بل قد تعلم بالايماء وإشارة النص فتلحق بالمنصوص وقد تعلم بالسير حيث يقوم دليل على وجوب التعليل ، وتنحصر الأقسام في ثلاثة مثلا ، ويبطل قسمان فيتعين الثالث ، فتكون العلة ثابتة بنوع من الاستدلال ، فلا تفارق تحقيق المناط وتنقيح المناط ، وقد يقوم الدليل على كون الوصف المستنبط مؤثرا بالاجماع فيلحق به ما لا يفارقه إلا فيما لا مدخل له في التأثير ، كقولنا الصغير يولي عليه في ماله لصغره ، فيلحق بالمال البضع ، إذ ثبت بالاجماع تأثير الصغر في جلب الحكم ، ولا يفارق البضع المال في معنى مؤثر في الحكم ، فكل ذلك استدلال قريب من القسمين الأولين ،
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 282