نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 210
على بريرة وتوهم ، فليس في قولها إلا استفهام أنه أمر شرعي من جهة الله تعالى حتى تطيع طلبا للثواب ، أو شفاعة لسبب الزوج حتى تؤثر غرض نفسها عليه ، فإن قيل شفاعة الرسول عليه السلام أيضا مندوب إلى إجابتها وفيها ثواب ، قلنا : وكيف قالت : لا حاجة لي فيه والمسلم يحتاج إلى الثواب ، فلا يقول ذلك ، لكنها اعتقدت أن الثواب في طاعته في الامر الصادر عن الله تعالى وفيما هو لله لا فيما يتعلق بالاغراض الدنيوية ، أو علمت أن ذلك في الدرجة دون ما ندبت إليه فاستفهمت ، أو أفهمت بالقرينة أنها شكت في الوجوب ، فعبرت بالامر عن الوجوب فأفهمت ، ومنها قوله عليه السلام : لولا أني أخاف أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة فدل على أنه للوجوب ، وإلا فهو مندوب ، قلنا : لما كان قد حثهم على السواك ندبا قبل ذلك أفهم أنه أراد بالامر ما هو شاق ، أو كان قد أوحي إليه أنك لو أمرتهم بقولك استاكوا لأوجبنا ذلك عليهم ، فعلمنا أن ذلك يجب بإيجاب الله تعالى عند إطلاقه صيغة الامر ، ومنها قوله عليه السلام لأبي سعيد الخدري لما دعاه وهو في الصلاة فلم يجبه : أما سمعت الله تعالى يقول : * ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) * ( الأنفال : 42 ) ، فكان هذا التوبيخ على مخالفة أمره ، قلنا : لم يصدر منه أمر ، بل مجرد نداء ، وكان قد عرفهم بالقرائن تفهيما ضروريا وجوب التعظيم له ، وأن ترك جواب النداء تهاون وتحقير بأمره ، بدليل أنه كان في الصلاة وإتمام الصلاة واجب ، ومجرد النداء لا يدل على ترك واجب ، بل يجب تركه بما هو أوجب منه ، كما يجب ترك الصلاة لانقاذ الغرقى ، ومجرد النداء لا يدل عليه ، ومنها قول الأقرع بن حابس : أحجنا هذا لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال عليه السلام : للأبد ، ولو قلت نعم لوجب فدل على أن جميع أوامره للايجاب ، قلنا : قد كان عرف وجوب الحج بقوله تعالى : * ( ولله على الناس حج البيت ) * ( آل عمران : 79 ) وبأمور أخر صريحة ، لكن شك في أن الامر للتكرار أو للمرة الواحدة ، فإنه متردد بينهما ، ولو عين الرسول عليه السلام أحدهما لتعين وصار متعينا في حقنا ببيانه ، فمعنى قوله : لو قلت نعم لوجب أي لو عينت لتعين . الشبهة الرابعة من جهة الاجماع : زعموا أن الأمة لم تزل في جميع الأعصار ترجع في إيجاب العبادات وتحريم المحظورات إلى الأوامر والنواهي ، كقوله : * ( أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) * ( البقرة : 34 ) * ( وقاتلوا المشركين كافة ) * ( التوبة : 63 ) وقوله : * ( ولا تقربوا الزنا ) * ( الاسراء : 23 ) * ( لا تأكلوا الربا ) * ( آل عمران : 031 ) * ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) * ( النساء : 2 ) * ( ولا تقتلوا أنفسكم ) * ( النساء : 92 ) * ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ) * ( النساء : 22 ) وأمثاله ، والجواب : أن هذا وضع وتقول على الأمة ونسبه لهم إلى الخطأ ويجب تنزيههم عنه ، نعم يجوز أن يصدر ذلك من طائفة ظنوا أن ظاهر الامر للوجوب ، وإنما فهم المحصلون وهم الأقلون ذلك من القرائن والأدلة ، بدليل أنهم قطعوا بوجوب الصلاة وتحريم الزنا ، والامر محتمل للندب وإن لم يكن موضوعا له ، والنهي يحتمل التنزيه ، وكيف قطعوا مع الاحتمال لولا أدلة قاطعة ، وما قولهم إلا كقول من يقول : الامر للندب بالاجماع ، لانهم حكموا بالندب في الكتابة والاستشهاد وأمثاله لصيغة الامر ، والأوامر التي حملتها الأمة على الندب أكثر ، فإن النوافل والسنن والآداب أكثر من الفرائض إذا ما من فريضة إلا ويتعلق
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 210