نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 192
عن الأمور ابتداء بيان وإن لم يتقدم فيها إشكال ، وبهذا يبطل قول من حده بأنه إخراج الشئ من حيز الاشكال إلى حيز التجلي ، فذلك ضرب من البيان وهو بيان المجمل فقط . وعلم أن كل مفيد من كلام الشارع وفعله وسكوته واستبشاره ، حيث يكون دليلا وتنبيهه ، بفحوى الكلام على علة الحكم ، كل ذلك بيان ، لان جميع ذلك دليل ، وإن كان بعضها يفيد غلبة الظن فهو من حيث إنه يفيد العلم بوجوب العمل قطعا دليل وبيان ، وهو كالنص ، نعم ، كل ما لا يفيد علما ولا ظنا ظاهرا فهو مجمل ، وليس ببيان ، بل هو محتاج إلى البيان ، والعموم يفيد ظن الاستغراق عند القائلين به ، لكنه يحتاج إلى البيان ليصير الظن علما ، فيتحقق الاستغراق ، أو يتبين خلافه فيتحقق الخصوص ، وكذلك الفعل يحتاج إلى بيان تقدمه أنه أريد به بيان الشرع لان الفعل لا صيغة له . - مسألة في تأخير البيان لا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إلا على مذهب من يجوز تكليف المحال ، أما تأخيره إلى وقت الحاجة فجائز عند أهل الحق خلافا للمعتزلة ، وكثير من أصحاب أبي حنيفة ، وأصحاب الظاهر ، وإليه ذهب أبو إسحق المروزي وأبو بكر الصيرفي ، وفرق جماعة بين العام والمجمل فقالوا : يجوز تأخير بيان المجمل ، إذ لا يحصل من المجمل جهل ، وأما العام فإنه يوهم العموم ، فإذا أريد به الخصوص فلا ينبغي أن يتأخر بيانه ، مثل قوله : * ( فاقتلوا المشركين ) * ( التوبة : 5 ) فإنه إن لم يقترن به البيان له أوهم جواز قتل غير أهل الحرب ، وأدى ذلك إلى قتل من لا يجوز قتله ، والمجمل مثل قوله تعالى : * ( وآتوا حقه يوم حصاده ) * ( الانعام : 141 ) يجوز تأخير بيانه ، لان الحق مجمل لا يسبق إلى الفهم منه شئ ، وهو كما لو قال : حج في هذه السنة كما سأفصله ، أو أقتل فلانا غدا بآلة سأعينها من سيف أو سكين ، وفرق طوائف بين الأمر والنهي ، وبين الوعد والوعيد ، فلم يجوزوا تأخير البيان في الوعد والوعيد . ويدل على جواز التأخير مسالك : الأول : أنه لو كان ممتنعا لكان لاستحالته في ذاته أو لافضائه إلى مجال وكل ذلك يعرف بضرورة أو نظر ، وإذا انتفى المسلكان ثبت الجواز ، وهذا دليل يستعمله القاضي في مسائل كثيرة وفيه نظر ، لأنه لا يورث العلم ببطلان الإحالة ولا بثبوت الجواز ، إذ يمكن أن يكون وراء من ذكره وفصله دليل على الإحالة لم يخطر له ، فلا يمكن أن يكون دليلا لا على الإحالة ولا على الجواز فعدم العلم العلم بدليل الجواز لا يثبت الإحالة ، وكذلك عدم العلم بدليل الإحالة لا يثبت الجواز ، بل عدم العلم بدليل الإحالة لا يكون علما لعدم الإحالة ، فلعل عليه دليلا ولم نعرفه ، بل لو عرفنا انتفاء دليل الإحالة لم يثبت الجواز بل لعله محال وليس عليه دليل يعرفه آدمي ، فمن أين يجب أن يكون كل جائز ومحال في مقدور الآدمي معرفته ؟ . الثاني : أنه إنما يحتاج إلى البيان للامتثال وإمكانه ، ولاجله يحتاج إلى القدرة والآلة ، ثم جاز تأخير القدرة وخلق الآلة ، فكذلك البيان ، وهذا أيضا ذكره القاضي وفيه نظر لأنه إنما ينفع ، لو اعترف الخصم بأنه يحيله لتعذر الامتثال ، ولعله يحيله لما من تجهيل ، أو لكونه
نام کتاب : المستصفى نویسنده : الغزالي جلد : 1 صفحه : 192